حداد على أرواح ضحايا حريق الحمدانية وبغداد تتعهد بمحاسبة المتسبّبين

شارك آلاف العراقيين بعد ظهر الأربعاء في مراسم تشييع جماعي لعدد كبير من ضحايا حريق الحمدانية الذي اندلع الليلة الماضية في قاعة أفراح الحمدانية في محافظة نينوى شمال العراق.

حريق الحمدانية

وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الحداد في جميع أنحاء البلاد لمدة 3 أيام على أرواح الضحايا، وفي حين تضاربت التصريحات بشأن عدد القتلى والجرحى جراء الحريق، شكّلت السلطات العراقية لجنة تحقيق للوقوف على ملابساته.

بدوره، أعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري عن تقديم تعويضات لذوي الضحايا، قائلا “سنحاسب كل من قصّر وتسبب بالكارثة”، كما أكد للجزيرة أن هناك إجراءات ستتخذ لإغلاق الأبنية الوقتية.

وأقيم قداس الجنازة في الهواء الطلق بمشاركة رجال دين وحشود من أبناء المنطقة وأهالي الحمدانية الذين استمعوا إلى لائحة بأسماء ممن تم التعرف على جثامينهم. وحمل رجال النعوش التي لفّ بعضها بالأبيض وزيّنت بالورود، فيما تصدّرت صور الضحايا المواكب، وبينهم أطفال.

ويعتنق غالبية سكان الحمدانية في محافظة نينوى -حيث وقع الحادث- الديانة المسيحية وقد كان الحفل لعروسين مسيحيين.

وتضاربت التصريحات بشأن حصيلة ضحايا الحادث الذي يعد من بين أسوأ الحرائق التي شهدها العراق في السنوات الماضية، فبينما تحدث الناطق باسم وزارة الصحة العراقية عن 94 قتيلا وأكثر من 100 جريح، قال حسن العلاف نائب محافظ نينوى إنه تأكد مقتل 113 شخصا.

وقال رئيس فرع الهلال الأحمر في المحافظة إن حصيلة الضحايا غير نهائية بعد لكنها تتجاوز “مئات الجرحى وعشرات القتلى”. أما الهلال الأحمر العراقي فأعلن عبر حسابه الرسمي في فيسبوك أن الحادث خلّف 450 ضحية، من دون أن يحدد عدد القتلى والمصابين.

من جهته، أكد وزير الصحة في إقليم كردستان العراق سامان البرزنجي، وفاة شخصين من مصابي حادثة حريق قاعة الأفراح في قضاء الحمدانية ممن تم نقلهم إلى مستشفيات الإقليم.

وقال البرزنجي في تصريح صحفي، إن 47 مصابا يعالجون الآن في مستشفيات الإقليم منهم عشرون في مستشفيات مدينة دهوك، وإن سلطات الإقليم أرسلت 36 سيارة إسعاف وأكثر من 4 أطنان مساعدات طبية إلى قضاء الحمدانية.

وقالت عدة مصادر إن العروسين نجيا من الحريق.

قال وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، إن الحريق اندلع في قاعة كبيرة للمناسبات في الحمدانية بعد إشعال ألعاب نارية خلال الحفل، مما تسبب في اندلاع حريق في السقف.

وأكد الشمري أنه تم تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات الحريق ستقدم توصياتها خلال 72 ساعة، وأضاف أن الوضع في مستشفيات الموصل أصبح تحت السيطرة بعد وصول تعزيزات طبية من بغداد.

وبحسب الدفاع المدني العراقي فإنّ “معلومات أولية” تشير إلى استخدام ألواح “الإيكوبوند” وهي مادّة للبناء مكوّنة من الألومنيوم والبلاستيك و”سريعة الاشتعال و”مخالفة لتعليمات السلامة” المنصوص عليها قانونا، ما أسهم في زيادة شدّة الحريق، موضحا أنّ ما فاقم الأمر هو “الانبعاثات الغازية السامة المصاحبة لاحتراق هذه الألواح”.

وبحسب المتحدث باسم الدفاع المدني جودت عبد الرحمن فإن ما تسبب بهذا العدد الكبير من الضحايا هو أن “مخارج الطوارئ كانت مغلقة، والمتبقي باب واحد هو الباب الرئيسي لدخول وخروج الضيوف”. وأضاف أن “معدات السلامة غير ملائمة وغير كافية للمبنى” ما فاقم أيضا من ارتفاع الأعداد.

وقال مجلس القضاء الأعلى في العراق في بيان إن قاضي التحقيق المختص أصدر التوجيهات للأجهزة الأمنية بالقبض على المتسببين في حادث الحريق، وأكد اعتقال عدد من العاملين في قاعة المناسبات، خصوصا المشرفين على نصب الألعاب النارية التي كانت السبب الرئيس في اندلاع الحريق.

وأوضح البيان ان إحاطة سقف القاعة بأقمشة سريعة الاشتعال كانت سببا أيضا الحريق، إضافة إلى عدم وجود مخرج بعد غلق الباب الرئيسي للقاعة، مبيناً ان صاحب القاعة وبقية المتهمين الهاربين سلموا أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية في أربيل وتم نقلهم إلى مدينة الموصل لتدوين إقوالهم قضائيا.

وقبل ذلك أكد مدير دائرة الإعلام والعلاقات العامة في وزارة الداخلية سعد معن أنه تمّ “توقيف 9 أشخاص من العاملين في القاعة كإجراء احترازي وإصدار مذكرات قبض بحقّ أربعة هم المالكون لهذه القاعة”، على إثر هذه الحادثة.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية خالد المحنا الأسباب التي أدت إلى زيادة عدد الضحايا، وقال إنها تتمثل في انعدام إجراءات السلامة واستخدام الألعاب النارية ووجود أكثر من ألف شخص في قاعة المناسبات. وأشار إلى أن التحقيقات الأولية أكدت عدم وجود ممرات كافية ومنافذ للطوارئ إضافة إلى عدم مطابقة مواد البناء للمواصفات الصحيحة.

وأعلن مجلس أمن إقليم كردستان العراق، اليوم الأربعاء، إلقاء القبض على صاحب القاعة التي اشتعلت فيها النيران سمير سليمان، وتسليمه إلى وزارة الداخلية العراقية.

من جهته، أقر الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي في حديث للجزيرة بوجود تقصير لدى مؤسسات رسمية في متابعة إجراءات السلامة، وقال العوادي في حديث للجزيرة إن رئيس الوزراء العراقي أمر بإعادة النظر في هذا الملف.

وفي مقابلة مع الجزيرة، قال حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي إن ما حدث في الحمدانية كان نتاج ما سمّاها فترة الفساد التي شاعت في البلاد خلال العقدين الماضيين وانشغال الدولة العراقية في إعادة الهدوء إلى محافظة نينوى.

وقالت خلية الإعلام الأمني في العراق، في منشور عبر حسابها بموقع “فيسبوك” اليوم، إنه تم توفير 3 مروحيات إسعاف في حالة اقتضت الضرورة نقل أحد المصابين من نينوى إلى أي مكان لتلقي العلاج، موضحة أنه تم تنظيم حملات للتبرع بالدم والتواصل مع جميع ذوي الضحايا والمصابين في هذا الحادث.

وفي ردود الفعل وصف الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ما جرى في الحمدانية بالفاجعة المؤلمة، مشددا على ضرورة فتح تحقيق ومعرفة ملابسات الحادث.

من جانبها، وصفت بعثة الأمم المتحدة في العراق حريق الحمدانية بأنه مأساة هائلة، وقالت إنها تشعر بالصدمة بسبب الخسائر الفادحة في الأرواح.

وكان الحزن عربيا أيضا، حيث تداولت منصات التواصل عشرات التغريدات التي تنعى ضحايا الحريق وتتضامن مع المصابين، بالإضافة إلى التضامن العالمي مع العراق.

وبعث كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، والرئيسين الفلسطيني محمود عباس، والروسي فلاديمير بوتين، برقيات عزاء وتضامن، وفق بيانات رسمية من تلك البلدان.

كما أصدرت السعودية ومصر والبحرين، بيانات عزاء وتضامن منفصلة مع العراق، وفق ما صدر عن وزارات خارجية تلك البلدان. وقدمت وزارة الخارجية التركية التعزية بضحايا الحريق.

كما قدمت السفيرة الأميركية لدى بغداد آلينيا رومانسكي، ومتحدث الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى العراق، التعازي والتضامن مع العراق.

والحمدانية التي تُعرف أيضا باسمي قرقوش وبغديدا هي بلدة مسيحية ضاربة في القدم يتحدّث سكّانها لهجة حديثة من الآرامية، وقد زارها البابا فرانشيسكو في مارس/آذار 2021 خلال جولته التاريخية في العراق.

ولحق دمار كبير بهذه البلدة على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطق شاسعة من العراق بين عامي 2014 و2017، ولكن أعيد إعمارها مذّاك.

وغالبا ما لا يتمّ الالتزام بتعليمات السلامة في العراق، لا سيّما في قطاعي البناء والنقل، كما أنّ البنى التحتية في هذا البلد متداعية نتيجة عقود من النزاعات، ما يؤدّي مرارا إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى.

وفي أبريل/نيسان 2021، قضى أكثر من 80 شخصا جراء حريق في مستشفى لمرضى كورونا في بغداد نجم عن انفجار أسطوانات أكسجين

وبعد ذلك ببضعة أشهر، في يوليو/تموز، لقي 64 شخصا حتفهم جرّاء حريق في مستشفى بالناصرية -جنوب العراق- اندلع في جناح لمرضى كورونا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *