في برشلونة، تتشكل ملامح مشروع فني جديد يقوده المدرب الألماني هانز فليك بهدوء وثقة، هدفه إعادة تكوين الموهبة الشابة لامين يامال من جديد، ليس عبر تغييرات تكتيكية جذرية أو ضغوط نفسية، بل من خلال فلسفة تعتمد على الحوار، الحماية، والتطور التدريجي.
يدرك فليك أن اللاعب البالغ من العمر 18 عامًا لا يحتاج فقط إلى مدرب يرسم له الخطط داخل الملعب، بل إلى مرشد يقوده نحو النضج الكروي والذهني بعد فترة مليئة بالجدل حول تراجع مستواه وإصابته المزعجة ومتابعة الإعلام لحياته الخاصة.
بعد الكلاسيكو الأخير أمام ريال مدريد، تعرّض يامال لانتقادات واسعة بسبب أدائه المتذبذب، خصوصًا مع عودته للمعاناة من إصابة في منطقة العانة. ومع غياب بيدري، طرح البعض داخل النادي وخارجه فكرة نقله إلى عمق الملعب ليشارك في صناعة اللعب، وهي فكرة دعمها بعض رموز برشلونة القدامى مثل تشارلي ريكساش، الذي شبّهها بمسار ليونيل ميسي حين تحوّل من جناح إلى صانع لعب.
إلا أن فليك أبدى تحفظًا على الفكرة، مؤكدًا في مؤتمره الصحفي قبل مواجهة إلتشي أن الحل لا يكمن في “الهروب من المركز”، بل في استعادة الثقة داخل نفس المساحة التي تألق فيها اللاعب سابقًا. وقال فليك: “أفضل طريقة ليامال ليعود إلى مستواه هي اللعب في مركزه الطبيعي، في بعض المواقف يمكنه الدخول إلى العمق، لكن الأهم أن يلمس الكرة كثيرًا، لأن هذا ما يمنحه الحياة”.
من الناحية الفنية، لا يغلق فليك الباب أمام التغيير، لكنه يتعامل معه بحذر. فلسفته تقوم على التدرج، حيث يمنح يامال حرية الدخول إلى المساحات الداخلية في فترات معينة من المباريات دون أن يفقد دوره الأساسي على الأطراف، ليتعلم تدريجيًا القراءة المركزية للملعب مع الحفاظ على أسلوبه المفضل.
أما من الجانب البدني، فيواصل اللاعب التعامل مع إصابة العانة بطرق علاجية تحفظية لتجنّب الجراحة، ما يجعل فليك أكثر حرصًا على عدم تعريضه لضغوط إضافية عبر تغيير مركزه نحو منطقة أكثر كثافة واحتكاكًا. لذلك يدمج المدرب بين العلاج، والتأهيل البدني، والتدريب الذهني لضمان عودة تدريجية آمنة.
وفي الجانب النفسي، يولي فليك اهتمامًا خاصًا بالحوار مع اللاعب الشاب، معتبرًا أن التواصل الصادق هو الأساس في التعامل مع المراهقين داخل بيئة احترافية مليئة بالضغوط. وقال المدرب: “نتحدث دائمًا، نحن صادقان معًا، وهو يعلم أنني سأحميه دائمًا. إنه شاب رائع للغاية”.
هذا النهج الإنساني يشكل ركيزة أساسية في إدارة فليك، الذي يسعى إلى خلق بيئة يشعر فيها اللاعبون بأنهم جزء من مشروع يُبنى على الثقة لا الأوامر. ويبدو أن يامال بحاجة ماسة إلى هذا المناخ في ظل الضغوط الإعلامية والمقارنات المبكرة مع ميسي.
وخارج المستطيل الأخضر، لم تغب حياة يامال الشخصية عن الأنظار، إذ أعلن مؤخرًا انفصاله عن المغنية الأرجنتينية نيكي نيكول، ما دفع إدارة برشلونة، بالتعاون مع فليك، إلى تعزيز المتابعة الإرشادية للاعب لحمايته من الانشغال بالعوامل الجانبية التي قد تؤثر على تركيزه.
فليك، بخبرته في إدارة نجوم بايرن ميونيخ سابقًا، يدرك أن الموهبة تحتاج إلى توازن إنساني بقدر حاجتها إلى الانضباط التكتيكي. لذلك، يتعامل مع يامال بمنهج شامل يجمع بين الدعم النفسي، المتابعة البدنية، والتطوير الفني المتدرج.
مشروع “يامال الجديد” في برشلونة يبدو أكثر من مجرد تعديل مركز أو خطة لعب؛ إنه مشروع إنساني وفني لإعداد نجم قادر على التألق بثقة ونضج داخل وخارج الملعب، في مسار طويل يتعامل معه فليك بخطوات مدروسة نحو بناء أحد ركائز الفريق المستقبلية.