أعلن عدد من الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين اليوم الأربعاء، في خطوة ستدخل حيز التنفيذ يوم 28 مايو/أيار الجاري، وعلى الطريق كذلك أعلنت دول أخرى -مثل سلوفينيا ومالطا- استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية.
الاعتراف بدولة فلسطين
يأتي ذلك وسط صدور قرارات من المحكمة الجنائية الدولية تدين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب، بالإضافة إلى 3 من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذلك في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال رئيس وزراء النرويج يوناس غار ستوره إن الهدف من هذا الاعتراف هو إقامة دولة فلسطينية متماسكة سياسيا أساسها السلطة الفلسطينية، وأضاف أن حل الدولتين من مصلحة إسرائيل، وأن الحرب في غزة أظهرت أن تحقيق السلام والاستقرار لا بد أن يستند إلى حل القضية الفلسطينية.
أما وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث فقال -في تصريحات للجزيرة- إن “تفادي المأساة والقتل الحالي بغزة كان ممكنا لو تم الاعتراف بفلسطين بعد اتفاق أوسلو”، مشددا على أن بلاده قررت الاعتراف بفلسطين “لنتقدم على مسار أقل عنفا يؤدي للتسوية وإرساء السلام”.
في حين قال رئيس الوزراء الأيرلندي سيمون هاريس إن شعب فلسطين يستحق مستقبلا مليئا بالأمل والسلام، مؤكدا أنه “لا مستقبل للنسخة المتطرفة من الصهيونية التي تغذي عنف المستوطنين والاستيلاء على الأراضي”.
من جانبه، قال رئيس حزب “شين فين” بأيرلندا الشمالية ديكلان كيرني “إن لدى أيرلندا تاريخا طويلا من التضامن مع الشعب الفلسطيني في سعيه لتحقيق دولة ذات سيادة والوصول لحريته”.
وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أنه من المهم في هذا الوقت، وفي ظل حرب الإبادة الجارية في غزة والعدوان في الضفة الغربية، أن الحكومة الأيرلندية أعلنت الآن أنها في 28 مايو/أيار الجاري ستعترف بدولة فلسطين.
وتمنى كيرني أن تكون هذه خطوة أولى للحكومة الأيرلندية في تولي دور رائد في المجتمع الدولي لضمان اتخاذ الإجراءات الحالية لتحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة وطنية.
وعند سؤاله عن أن البرلمان الأيرلندي سبق أن تبنى قبل 10 سنوات قرارا بالإجماع من أجل الاعتراف بدولة فلسطين، لكن الحكومة تأخرت؛ قال كيرني “إن البرلمان الأيرلندي اعتمد عام 2014 بالإجماع قرارًا من حزب “شين فين” للاعتراف بدولة فلسطين، لكن للأسف استغرق الأمر كل هذه السنوات لكي تنفذ الحكومة الأيرلندية هذا القرار”.
لكنه عاد واستدرك بأن هذا القرار اليوم إيجابي جدا، ويعد أمرا مهما للغاية فيما يتعلق بتضامن أيرلندا مع الشعب الفلسطيني، و”يعد أرضية مهمة يمكننا البناء عليها، ويعكس الرأي الشعبي المستقبلي لصالح الشعب الفلسطيني ودعمه في تحقيق جميع حقوقه الوطنية والوصول لدولة ذات سيادة وطنية وقابلة للحياة”.
ولم يفته أيضا ما يحدث في قطاع غزة، فقال إن هذا الحراك الدولي يجب أن يصاحبه تركيز على تحقيق وقف إطلاق النار الدائم وغير المشروط في غزة ، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عائق إلى القطاع، فضلا عن الانسحاب الكامل لجميع القوات الإسرائيلية من غزة والضفة الغربية.
وعن تأثير هذا الاعتراف في وقف إطلاق النار في غزة، قال رئيس حزب “شين فين” إن القرار يسهم في إنهاء الحرب في غزة وتأمين وقف إطلاق النار الدائم وغير المشروط، كما أننا نحتاج أن نرى دولا أخرى في أوروبا الآن تتبع الخطوة التي اتخذتها أيرلندا وإسبانيا والنرويج.
وشدد كيرني على أنه يثق في أن العديد من الدول الأوروبية الأخرى ستقر بدولة فلسطين خلال الفترة المقبلة. كما أشار إلى أهمية الضغط السياسي والدبلوماسي التراكمي على هذه الدول حتى تتخذ موقفا أكثر إيجابية وتقدما، وبما يتماشى مع القانون الدولي.
من جانبها، رحبت الرئاسة الفلسطينية بقرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقالت “نثمن عاليا مساهمة هذا القرار من النرويج في تكريس حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه وفي أخذ خطوات فعلية لدعم تنفيذ حل الدولتين”.
وأضافت -في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (وفا)- أن “مملكة النرويج دعمت حقوق الشعب الفلسطيني بثبات على مدار السنوات الماضية وصوتت لصالح هذه الحقوق في المحافل الدولية ليأتي هذا القرار المبدئي تتويجا لهذه المواقف واتساقا مع مبادئ القانون الدولي التي تقر بحق الشعوب في التخلص من الاستعمار والاضطهاد والعيش بحرية وعدالة واستقلال”.
أما عضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور باسم نعيم فقال إن هذا الاعتراف المتتالي من عدد من الدول الأوروبية -وبعضها عضو في الاتحاد الأوروبي وبعضها خارجه- قد يكون بداية تحول سياسي مهم على المستوى الدولي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني المشروع، وفي المقدمة منه حقه في دولة مستقلة وتقرير المصير وحق العودة.
وأضاف نعيم -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أننا في هذه اللحظة “يجب أن نشكر ونقدر الخطوات السياسية الشجاعة من هذه الدول رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها عليها الكيان الصهيوني وحلفاؤه على المستوى الغربي، خاصة الأوروبي والأميركي”.
وأشار عضو المكتب السياسي لحركة حماس إلى أن هذه الاعترافات المتتالية ستشجع دولا أخرى حول العالم للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، و”الأهم أنها ستؤدي إلى مزيد من العزلة لهذا الكيان العنصري”.
وأكد أن هذه الاعترافات تعد ثمرة لهذا “الصمود الأسطوري وهذه الدماء الطاهرة” التي سالت على أرض فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، و”هي ثمرة أيضا لهذه المقاومة الباسلة المستمرة على مدار أشهر أثبتت فيها قدرة الشعب الفلسطيني على فرض حقوقه على الكيان وحلفائه”.
من جانبه، قال رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية في بروكسل ماجد الزير إن “هذا الاعتراف يعد إنجازا للشعب الفلسطيني بصموده وإصراره على التمسك بحقوقه وعدم انكساره أمام آلة الحرب الصهيونية التي تريد تهجيره وإنهاء قضيته”.
كما يأتي استجابة للمظاهرات والنداء الشعبي في عموم القارة الأوروبية، لا سيما في هذه الدول الثلاث التي لم تتوقف طوال 8 أشهر عن رفع الصوت عاليا رفضا لكل الجرائم والإبادة الجماعية التي ترتكب بحق أهلنا وشعبنا في قطاع غزة.
وأشار ماجد الزير إلى أن هذا الحراك الشعبي انسجم مع تحولات مهمة عالمية، ومنها البعد القانوني في مرافعة جنوب أفريقيا في يناير/كانون الثاني 2024 أمام محكمة العدل الدولية، ثم نيكاراغوا في أبريل/نيسان الماضي، ثم “قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير دفاعه كمجرمي حرب”.
وشدد على أن كل هذا الحراك أدى إلى تصدع في الموقف الأوروبي الجمعي الداعم لدولة الاحتلال بشكل غير معتدل وانحيازي، وفيه اختلال وازدواجية معايير، وهذا ينبئ باعترافات أخرى وإنجازات تأتي في سياق طبيعي من التحولات السياسية والقانونية والإعلامية وقبل ذلك الشعبية.
وأضاف رئيس المركز الأوروبي الفلسطيني أن هذه الإنجازات الفلسطينية تشير إلى “كسر شوكة آلة الحرب الصهيونية، وإيقاف العدوان بشكل فوري، ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين”، حيث يعترف العالم كله بأنها أرض فلسطينية محتلة.
وقال ماجد الزير إن هناك تحولا كبيرا في الرأي العام الأوروبي نحو القضية الفلسطينية، وأشار إلى نتائج الاستطلاع التي قامت به مؤسسة “يوغوف” في 5 دول أوروبية (فرنسا وألمانيا والسويد وإيطاليا وبلجيكا).
وأضاف أن هذا الاستطلاع أفرز نتائج مهمة؛ إذ أيد أكثر من 50% من الذين شملهم الاستطلاع قطع المساعدات العسكرية والتمويل العسكري من قبل الدول الأوروبية عن إسرائيل، كما يرى هؤلاء أن ما يحصل في غزة إبادة جماعية.