تصريحات الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، مساء أمس السبت -والتي أكدّ عليها قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقطاع غزة يحيى السنوار، حول استعداد الحركة لعقد صفقة تبادل الأسرى شاملة بمبدأ “الكل مقابل الكل”- أثارت النقاش حول إمكانية إتمام صفقة تبادل للأسرى تتضمن وقفاً لإطلاق النار، وعن الخيارات المطروحة أمام الجانبين لعقد صفقة وسط معركة شرسة.
صفقة تبادل الأسرى
ولم يتضح بعد إن كانت إسرائيل معنية الآن بوقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أن هذه الخطوة قد تحسب على أنها انتصار صريح لحماس، أو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين يمكن أن يضحوا بأسراهم، بناء على بروتوكول “هينبعل” مقابل تسجيل انتصار على حماس وسحقها، وهو ما سيكون له تداعياته على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
لكن هذه الخطوة قد تشكّل مخرجاً لواشنطن لإعادة النظر في موقفها المتشدد من الحرب على غزة، خشية أن تقع في فخ صراع قد يطول في المنطقة ويستنزفها.
شكّل الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال واحدة من أهم القضايا التي تؤكد حركة حماس أنها من الدوافع الرئيسية لإطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وبالنظر إلى نتائج هذه العملية فإن أحد أهم مخرجاتها العدد الكبير من الإسرائيليين التي استطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة عليهم ونقلهم إلى قطاع غزة.
وشملت خارطة الأسرى والمحتجزين في يد المقاومة الفلسطينية تنوعاً من الضباط والجنود بجيش الاحتلال وأجهزة الأمن، بالإضافة لمستوطنين يقطنون مستوطنات “غلاف غزة” بعضهم من النساء، ومحتجزون من جنسيات أخرى وجدوا في منطقة العمليات أثناء عملية “طوفان الأقصى”.
ونظراً لوجود عدد من الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية من جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية الإسرائيلية، فقد شكلت القضية نقطة محورية في مواقف الأطراف الدولية، وأصبحت عنواناً من العناوين الرئيسية للمواجهة، حيث شكلت “قضية الرهائن” جزءا مركزيا من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته في تعقيبهم على المواجهة في قطاع غزة.
ففي الأيام الأولى للمواجهة، قال بايدن إن أولويته عدم بقاء أي أميركي رهينة قيد الاحتجاز في أي مكان بالعالم، وقد وضعت واشنطن قضية المحتجزين لدى المقاومة أولوية لحواراتها مع الأطراف الإقليمية المعنية بالتواصل مع حركة حماس، كقطر ومصر وتركيا.
وهذه الأجواء حول مركزية قضية الأسرى والمحتجزين بالمشهد الدولي رافقها انعكاس كبير للقضية على البيئة الداخلية الإسرائيلية، حيث وضعت حكومة الاحتلال ومجلس حربها “تحرير الأسرى” كأحد أهداف الحرب على غزة. وأعلن رئيس الوزراء تعيين الجنرال المتقاعد غال هيرش مسؤولاً عن ملف الأسرى والمفقودين في قطاع غزة.
تضع هذه المقاربة حكومة نتنياهو أمام استحقاق التعامل مع ملف الأسرى، حيث تزداد الضغوط الداخلية عليها لإتمام صفقة تبادل مع المقاومة، إلا أنه ومجلس الحرب يدركان أن هذا يعد مشهداً من مشاهد “النصر” الذي تسعى إليه حماس والمقاومة الفلسطينية، لذا يحاول المناورة في الاستجابة للضغوط، والاستعاضة عنها بممارسة ضغط على المقاومة والحاضنة الشعبية لها في القطاع.
ويتمثل الضغط الإسرائيلي باستمرار استهداف المدنيين والتجمعات السكنية المأهولة، وتشديد الحصار وعزل القطاع المحاصر عن العالم الخارجي، بقطع الاتصالات وخدمات الانترنت، وهي إستراتيجية للتفاوض بالنيران لدفع المقاومة لتقديم تنازلات بهذا المسار.
وشكلت تصريحات الناطق العسكري لكتائب القسام “أبو عبيدة” ومعها تصريحات قائد حماس في غزة- ضربة لهذه الإستراتيجية بإعلان استعداد حماس والمقاومة الفلسطينية لصفقة شاملة، ولا يستطيع نتنياهو الموافقة عليها كونها تشكل إعلان هزيمة له بتوقيعه.
وفي ضوء ذلك، يتم تقديم مقترحات بتجزئة مسار الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، عبر التركيز على الأجانب والمستوطنين من النساء والأطفال، التي تزعم إسرائيل وجودهم بالقطاع. إلا أن هذا المسار يرافقه تحدٍ آخر في وجه حكومة نتنياهو ومجلس الحرب، إذا يثير الخلاف بالبيئة الداخلية الإسرائيلية، حول التفريق في نظرة الحكومة للأسرى والمحتجزين، كونها تعتبر رعايا الدول الغربية أكثر أهمية من رعاياها.
كما يثير ذلك عائلات الأسرى الجنود بجيش الاحتلال، حيث يضع ذلك حياتهم تحت تهديد الحرب الواسعة والاجتياح البري وتداعياته، إذ يرون في مقترحات الافراج عن الأجانب والمستوطنين، أو ما يسمى إسرائيلياً “بالمدنيين” استجابة من نتنياهو ومجلس الحرب لضغوط إدارة بايدن التي تعهدت بالإفراج عن “الأميركيين” المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
وطالب ممثلو تلك العائلات بعقد اجتماع “فوري” مع نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت، وأعضاء آخرين بالمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لبحث مخاوفهم التي تترافق مع سجالات بالشارع الإسرائيلي بشأن فرص عودة الأسرى من قبضة فصائل المقاومة، في ظل التصعيد على غزة، وسط انتقادات حادة تناولت أداء نتنياهو في التعامل مع هذه القضية، ملوّحين بالتصعيد إذا لم يلتقوا مع المجلس الوزاري المصغر، وفق القناة 12 الإسرائيلية.
وعقب الاجتماع وتصريحات المقاومة في قطاع غزة، عاد أفراد من عائلات الإسرائيليين المحتجزين في غزة للتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء في قيساريا جنوبي حيفا، وطالبوا بالاستجابة الفورية لعرض المقاومة بصفقة شاملة. وقال ممثلون عنهم إنهم طلبوا من نتنياهو إعادة ذويهم قبل أي عملية برية.
كما أكدوا أن قبولهم بصفقة تبادل تقوم على مبدأ “الجميع مقابل الجميع” وأنهم طلبوا من نتنياهو وضع مصير هؤلاء في الاعتبار عند التخطيط لأي عمل، وأنهم أبلغوه بأن صفقة تبادل الأسرى ستحظى بتأييد كبير، وحمّلوا الحكومة وحدها مسؤولية سلامة ذويهم.
ويلوح في أفق هذه النقاشات، حول الأسرى الإسرائيليين، التخوف من توجه إسرائيل لتفعيل خيار “هنيبعل” الذي يمنح جيش الاحتلال الإذن بقتل الأسرى الإسرائيليين بحجة استهداف محتجزيهم، وهو ما يتم تطبيقه الآن، ويؤكد ما أعلنته كتائب القسام عن مقتل أكثر من 50 من الأسرى والمحتجزين بسبب قصف الجيش الإسرائيلي لهم.
ورغم أن هذا الخيار سبق واُستخدم في تجارب سابقة، فإن تخلي حكومة نتنياهو عن قضية الأسرى والمحتجزين بهذه الطريقة سيكون له تداعيات آنية على الجبهة الداخلية، وسيصيب أحد أهداف الحرب بمقتل. كما أن وجود محتجزين أجانب يصعب من اللجوء لهذا الخيار، إلا أن الضغط الدولي على حكومة نتنياهو حول هذا القضية ما يزال بمراحله الأولى.