كان مشروع هنادي أبو هربيد مجرد أفكار تدور في مخيلة طالبة جامعية تدرس هندسة الطاقة المتجددة في جامعة الأزهر في قطاع غزة، وتبحث عن حلول تقنية خلاقة لتجفيف المنتجات الزراعية باستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية.
آمنت أبو هربيد (23 عاما) بحلمها وقدرتها على تحويله إلى حقيقة، ونجحت في ابتكار جهاز تقول للجزيرة نت “إنه الأول من نوعه على مستوى فلسطين، مصنّع محليا، وهو مجفف موفر للطاقة، يعمل على تجفيف المنتجات الزراعية بأقل وقت وبجودة عالية وأسعار تنافسية”.
البداية.. حلم
تقيم المهندسة العشرينية مع أسرتها في بلدة بيت حانون (شمال قطاع غزة)، وهي منطقة تشتهر بالزراعة، وتقول أبو هربيد إن البيئة تشكل “مصدر إلهام” لأصحابها، وتترك أثرا على أنماط تفكيرهم وطموحاتهم.
بدأت أبو هربيد مبكرا التفكير في أفضل الحلول والتقنيات لتجفيف المنتجات الزراعية التي تناسب البيئة وظروف غزة المحاصرة حتى انطلقت فعليا أواخر عام 2020 في أولى خطواتها العملية لوضع أفكارها موضع التنفيذ، وشرعت في تصنيع جهاز انتهت منه حديثا وأخضعته لتجارب عملية.
وكانت سعادة أبو هربيد غامرة بحصولها على نتائج أولية وصفتها بالممتازة وتبشر بالخير وبنجاح الجهاز في تجفيف منتجات غذائية خلال مدة زمنية قياسية مع الحفاظ على جودة المنتج وقيمته الصحية.
وتقول إن دراستها تقنية أنظمة الطاقة الشمسية إلى جانب تخصصها الجامعي في الطاقة المتجددة ساعداها على سرعة إنجاز الجهاز وإخضاعه للتجربة، وتحقيق هذه النتائج التي تأمل في تطويرها للحصول على أفضل أغذية مجففة تغطي احتياجات قطاع غزة وتشكل بديلا آمنا عن المستورد.
سولار فود
أطلقت أبو هربيد على مشروعها اسم “سولار فود”، وقد فاز قبل أيام قليلة كواحد من بين 6 مشاريع ريادية على مستوى فلسطين ضمن مسابقة للطاقة النظيفة، وتحلم بعد نجاحها في ابتكار جهاز التجفيف في تحويل الفكرة إلى شركة متخصصة في تصنيع الأغذية المجففة باستخدام تكنولوجيا التجفيف الشمسي الهجينة.
ويعمل جهاز “المجفف الشمسي الهوائي الهجين” -بحسب أبو هربيد- على الدمج بين مصدرين للطاقة، الأول عبارة عن مجمع شمسي هوائي، والثاني مضخة حرارية لرفع الكفاءة وتقليل استهلاك الطاقة، وتقول إنها كانت حريصة على أن يكون الجهاز موفرا للطاقة، في ظل ما تعانيه غزة منذ سنوات طويلة من أزمة حادة في الكهرباء.
وقالت إن طرق التجفيف التقليدية باستخدام مجففات كهربائية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، إضافة إلى ارتفاع تكلفة استيراد الأجهزة، ولا تتناسب مع واقع غزة التي تعاني أزمات مركبة بسبب القيود الإسرائيلية.
كما أن الطرق التقليدية في التجفيف لا تعطي نتائج آمنة من حيث المواصفات الصحية للأغذية المجففة، وتؤثر على جودتها وقيمتها الغذائية، وفقا لأبو هربيد التي تركز حاليا على تجفيف منتجات زراعية تشتهر بها بلدتها بيت حانون ومناطق زراعية أخرى في غزة، وأهمها الحمضيات والخضروات والأعشاب العطرية.
وتفرض القيود الإسرائيلية وعدم توفر كثير من المعدات -التي تحتاجها أبو هربيد في عملية تحضير المنتجات الزراعية للتجفيف وتقطيعها وتجهيزها قبل إدخالها لجهاز التجفيف- استخدام أدوات يدوية تقول إنها تستهلك كثيرا من الوقت والجهد.
طموح
وتوظف أبو هربيد منصات التواصل الاجتماعي لتسويق إنتاجها من الأغذية المجففة، إضافة إلى مشاركتها المستمرة في معارض مختصة بالأغذية الصحية في غزة، بهدف نشر الوعي والتعريف بمنتجاتها وما تمتاز به من مواصفات تجعلها قادرة على منافسة المنتجات المستوردة.
وتنظر المهندسة الشابة إلى ما تقوم به حاليا من إعداد مكان خاص كمقر لمشروعها الصغير يشمل مساحة لعرض المنتجات بأنه “نواة” لحلمها الكبير على تأسيس شركة مختصة بالأغذية المجففة تحقق الأمن الغذائي من هذه السلع، وتوفرها في السوق المحلي بجودة عالية وأسعار تنافسية تراعي الأوضاع المتردية في غزة.
وقالت أبو هربيد إن غزة تستورد سنويا كميات كبيرة من الأغذية المجففة بأسعار باهظة، وفي الوقت نفسه ليست آمنة صحيا، كون الشركات المصنعة لها تعتمد على المعالجة الكيميائية في التجفيف بإضافة مواد ضارة للتحكم في الطعم والمظهر الخارجي، في حين تحرص بدورها على منتجات خالية من الإضافات السكرية والمواد الكيميائية، مما يحفظ قيمتها الغذائية.