قالت صحيفة ليبراسيون إن مؤتمرا عقد أمس الاثنين في باريس لحشد دعم الجهات المانحة، وربما رسم الطريق إلى سلام يبدو بعيد المنال، في بلد دمره صراع دموي، وذلك لإبطاء انزلاق السودان إلى “الجحيم”.
في السودان تدور أسوأ حرب
وذكرت الصحيفة -في تقرير للمحررة ماريا مالاغارديس- أن ما يدور في السودان “حرب من أجل لا شيء” وأشارت إلى أن ثمن هذه الحرب “التدمير الذاتي لواحدة من أكبر الدول في أفريقيا، تبلغ مساحتها 1.8 مليون كيلومتر مربع”.
وخلفت الحرب الدامية بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، التابعة لـمحمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، عشرات الآلاف من القتلى، و6 ملايين نازح داخليا، و1.7 مليون لاجئ في دول مجاورة، وبنية تحتية مدمرة، واقتصادا ينهار بالكامل.
وانطلق مؤتمر دولي في باريس أمس -كما تقول الصحيفة- لمحاولة التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، في وقت تهدد فيه المجاعة أجزاء كبيرة من البلاد، ومن المفترض أن تعمل هذه المبادرة، التي ترعاها فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، على حشد دعم الجهات المانحة، أو حتى رسم الطريق إلى السلام الذي يبدو بعيد المنال.
وقالت جوستين موزيك بيكيمال المديرة الإقليمية لمنظمة التضامن الدولية (غير حكومية) إن هناك حاجة إلى 3.8 مليارات يورو لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا، وتساءلت: هل سيتمكن المجتمع الدولي من جمعها؟ وقالت “هذه أسوأ وأقذر حرب رأيتها منذ 20 عاما. حتى في الشيشان وسوريا لم أشاهد مثل هذا الانفجار”.
وتقول إن العاملين بالمجال الإنساني يواجهون عوائق مستمرة، وإنهم يحتاجون 300 شاحنة على الأقل للتعامل مع المجاعة التي تلوح في الأفق، وتقول بقلق “نرى الآن النساء يمزقن لحاء الأشجار لإطعام أطفالهن” حيث 18 مليونا من بين 48 مليون مواطن “يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد”.
وتذكر ليبراسيون -في تقرير آخر لمحررها ستيفان شفاليي- أن الأمم المتحدة حذرت من أن السودان، بعد مرور 18 شهرا على بدء النزاع فيه أصبح مهددا بالمجاعة والكوليرا، وذكرت هذه الهيئة الدولية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي تمديد تحقيقاتها في انتهاكات حقوق الإنسان بهذا البلد.
واتهم تقرير الصحيفة الأطراف المتحاربة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات المباشرة من خلال القصف الذي يستهدف المدنيين والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية مثل شبكات المياه والكهرباء.
ويوضح أن قوات الدعم السريع -خاصة- والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب أخرى، بما في ذلك الاستعباد الجنسي والنهب والتهجير القسري للمدنيين وتجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا، ويشير تقرير ليبراسيون أيضًا إلى الهجمات ضد المجتمعات غير العربية، وخاصة المساليت غرب دارفور.
وتؤكد بيكيمال أن صورة مريعة لا تزال تطاردها، موضحة “في يونيو/حزيران ونحن في أدري على الحدود التشادية، رأينا فجأة وصول 80 ألف شخص خلال 48 ساعة، سيرا على الأقدام، وجميعهم مصابون بطلقات نارية، حتى الأطفال والحوامل”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أشار تحقيق أممي أحيل إلى مجلس الأمن إلى مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص بمدينة الجنينة وحدها، وتحدثت التحقيقات عن الاغتصاب والمضايقة والنهب، مشيرة بالأصابع إلى قوات الدعم السريع، كما تتحدث الأمم المتحدة الآن عن “إبادة جماعية محتملة” في دارفور.
وتظل الحقيقة أن المجموعات المتفاوضة المشاركة بالصراع، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد شرق أفريقيا، والجامعة العربية والولايات المتحدة، لم تنجح قط في توحيد جهودها لإجبار كلا الطرفين على الجلوس على نفس الطاولة ووضع حد لهذه “الحرب العمياء”.
وتساءلت الصحيفة: هل سيكون مؤتمر باريس أكثر نجاحا؟ خاصة أن الحكومة الرسمية المعترف بها دوليا أعلنت عن “غضبها” لعقد هذا اللقاء، معتبرة أنه اعتداء على “سيادة” البلاد، في وقت ينزلق فيه السودان منذ عام إلى “الجحيم”.