255 3

قدم العاملون في مجال الرعاية الصحية منذ بداية جائحة كوفيد-19 مليارات الجرعات من لقاح كوفيد-19. سنتحدث عن الكيفية التي ابتكر بها العلماء لقاحات كوفيد-19 بهذه السرعة دون المساس بسلامتها.

تعرفنا على فيروس سارس كوف-2 المسبب لمرض كوفيد-19، أول مرة في ديسمبر 2019. بحلول 11 ديسمبر 2020، كان لقاح فايزر أول لقاح يحصل على ترخيص الاستخدام الطارئ من إدارة الغذاء والدواء (FDA).

إيجاد اللقاح في أقل من عام ليس بالأمر السهل. في حين أضفت الجائحة طابعًا جديدًا أصبح مألوفًا من ارتداء الكمامات والتباعد المكاني، فقد حفزت أيضًا التعاون العالمي بإجراء أبحاث حول اللقاحات وتوزيعها.

مع ذلك، لن يكون اللقاح فعالًا إلا إذا كان الناس مستعدين لأخذه. مع التطور السريع للأبحاث، قد يشعر البعض بالقلق من أن اللقاح قد وُجِد بسرعة، ومع هذه المخاوف يأتي التردد في أخذ اللقاح.

أُجريت دراسة في أكتوبر 2020 للتحقق من مدى قبول لقاحات كوفيد-19 وقد شملت 19 دولة. ووجد الباحثون أن 71.5% فقط من المشاركين يفكرون في أخذ لقاح كوفيد-19، وأن 48.1% فقط سوف يأخذونه إذا أوصى به رؤساؤهم.

بحلول أكتوبر 2021، قدم مختصو الرعاية الصحية عالميًا أكثر من 7 مليارات جرعة من لقاح كوفيد-19. مع ذلك، ما زال هناك تردد في أخذ اللقاح.

وفقًا لمسح أجرته مؤسسة كايزر، فإن 16% من المشاركين أكدوا أنهم لن يحصلوا على اللقاح.

بالنظر إلى أن أسرع لقاح -لقاح النكاف، جزء من لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية- قد استغرق 4 سنوات لتطويره، فمن الطبيعي أن يوجد بعض التخوف بشأن أمان اللقاح الجديد وفعاليته.

صرح سام سون -الطبيب في كلية بايلور للطب في هيوستن- أن الشفافية في جميع مراحل عملية اللقاح ستكون مفتاح كشف المعلومات المضللة وكسب ثقة الناس.

فيروسات كورونا الأخرى

لم يبدأ الباحثون من الصفر عندما علموا بفيروس سارس كوف-2 المسبب لكوفيد-19.

فيروس سارس كوف-2 هو أحد أفراد عائلة فيروس كورونا. وفقًا للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، توجد المئات من فيروسات كورونا. تشمل هذه الفيروسات أربعة أنواع قد تسبب نزلة البرد، بالإضافة إلى الفيروسات التي سببت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) سنة 2002، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية سنة 2012.

قال الدكتور إريك ياجر، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في كلية ألباني، نيويورك، إن العلماء درسوا فيروسات كورونا لأكثر من 50 عامًا. ما يعني وجود بيانات حول بنية هذا النوع من الفيروسات وجينومها ودورة حياتها.

أوضح ياجر: «أثبتت الأبحاث التي أجريت على هذه الفيروسات أهمية البروتين الشوكي الفيروسي (S) في الارتباط الفيروسي والاندماج والدخول، وحددت البروتينات S هدفًا لتطوير علاجات الأجسام المضادة واللقاحات».

التعاون العالمي

في ظل الظروف العادية، قد يستغرق صنع اللقاح 10-15 سنة. ويرجع ذلك إلى عملية تطوير اللقاح المعقدة.

قال الدكتور مايكل باري، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى ستامفورد، إن اللقاحات تدرب جهاز المناعة على تذكر العامل الممرض دون أن تضطر إلى مواجهته.

وأضاف: «قديمًا، اعتُمِد على أجزاء مُضعفة أو معطلة من فيروس معين -المستضد- لتحفيز استجابة مناعية داخل الجسم. ستحفز هذه اللقاحات استجابة الجهاز المناعي، بقدر ما كان سيفعل في أول رد فعل له تجاه الممرض الحقيقي».

في خضم الوباء العالمي، أصبح العامل الزمني مهمًا. إذ احتشد الباحثون بسرعة لتبادل معلوماتهم حول فيروس كورونا المستجد.

بفضل التقدم في تسلسل الجينوم، نجح الباحثون في الكشف عن التسلسل الفيروسي لفيروس سارس كوف-2 في يناير 2020، بعد نحو 10 أيام من أول حالة التهاب رئوي أُبلغ عنها في ووهان. كانت القدرة على تسريع البحوث والتجارب السريرية نتيجة مباشرة لهذا التعاون العالمي.

تمويل أبحاث لقاح كوفيد-19

إن بحوث اللقاحات مكلفة. عام 2018، قدّرت دراسة تكلفة التطوير المبكر وتجارب السلامة السريرية الأولية للقاح نموذجي في حدود 31-68 مليون دولار. والتجارب واسعة النطاق لتحديد فعالية لقاح مرشح تزيد هذه الأرقام.

في الجدول الزمني المتسارع مع فيروس كورونا الجديد، قد تكون هذه التكلفة أعلى. لهذا كان التمويل من مصادر تتراوح بين الحكومة والقطاع الخاص أساسيًا لصنع لقاحات كوفيد-19.

في الولايات المتحدة، تشاركت العديد من المؤسسات، متضمنةً المعاهد الصحية الوطنية، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، لتطوير 300 مليون جرعة بحلول أوائل 2021، وتصنيعها وتوزيعها.

قال الدكتور ياجر: «بتوفير الموارد وتحمل الأعباء المالية، تسمح المنظمة للشركات بإنتاج جرعات اللقاح وتخزينها حتى قبل معرفة مدى نجاح اللقاح. زادت المنظمة من فرص الحصول على اللقاح، بحلول بداية عام 2021، وذلك بالاستثمار في العديد من الشركات ومنصات اللقاحات في الوقت ذاته».

موّلت المفوضية الأوروبية الكثير من لقاحات كوفيد-19 المرشحة وتعاونت مع جهات أخرى لتقديم 8 مليارات دولار لأبحاث كوفيد-19.

ساهمت فرق العمل المعنية باللقاحات التابعة لحكومة المملكة المتحدة مساهمةً كبيرة في مجموعة واسعة من الأبحاث حول اللقاحات. وقد ساعد المستفيدون من هذا التمويل على تطوير لقاح أسترازينيكا. كان مصممو هذا اللقاح أول من نشر نتائج فعالة حول المرحلة الثالثة من التجارب.

تكنولوجيا mRNA

كانت لقاحات فايزر وموديرنا أول لقاحات الحمض النووي الريبي الرسول التي تلقاها البشر خارج التجارب السريرية.

قال الدكتور توماس كنيون، كبير المسؤولين الصحيين في مشروع هوب، إن المؤسسات الصحية المحلية عملت على تلك التقنية بعض الوقت. وأوضح أن لقاحات الحمض النووي الريبي الرسول توصل المادة الوراثية لبروتين فيروس كورونا S. ثم تستخدم خلايانا المعلومات المخزنة في الحمض النووي لصنع بروتينات S. يُدرَّب الجهاز المناعي على التعرف على هذه النتوءات، وتحضيره لمواجهة إصابة مستقبلية.

قال الدكتور كنيون: «عندما يواجه الجهاز المناعي الفيروس الحقيقي، فإنه يهاجم البروتين السطحي الحقيقي للفيروس ويعطله نتيجة فعالية الجهاز المناعي».

المخاوف بشأن لقاح الحمض النووي الريبي الرسول

وفقًا للدكتور كنيون، فإن المعلومات المضللة حول لقاحات الحمض النووي الريبي الرسول تنبع من القلق من أن اللقاح يصيب الناس بالفيروس.

قال: «لم يُصَب أحد بعدوى نتيجة لقاح كوفيد-19. إنه فقط البروتين السطحي الذي قد يتضاعف نتيجة إعطاء اللقاح، لا الفيروس بأكمله».

من المفاهيم الخاطئة أن اللقاح لن يكون مفيدًا عندما يتحور الفيروس.

أظهرت دراسة في يوليو 2020 أن الفيروس يتحور. بعد تحليل 48635 عينة من سارس كوف-2، حدد الباحثون متوسط 7.23 طفرة في كل عينة.

قال سون إن حدوث الطفرات مؤكد، مع ذلك فليس ذلك مدعاة للقلق. ويضيف: «هناك ما يقدر بنحو 250000 من المتغيرات أو السلالات من تسلسل فيروس سارس كوف-2 في المختبر. للجزء الأكبر من الفيروس معدل تشكيل طفرات منخفض مقارنةً بمعدل طفرات فيروس الأنفلونزا. البروتين الشوكي مهم لقدرة الفيروس على إصابة خلايا البشر. وهو لن يتحور بما يكفي لتكون اللقاحات غير فعالة».

مصدر قلق آخر: هل المناعة الطبيعية أكثر فعالية من اللقاح؟ وجدت دراسة في نوفمبر 2021 أن لقاحات كوفيد-19 أكثر فعالية بنحو خمسة أضعاف في منع دخول المستشفى.

يقول ياجر: «المناعة الطبيعية ليست أفضل من المناعة المكتسبة باللقاح. اللقاحات قادرة على توفير المناعة الوقائية دون المخاطر المرتبطة بالعدوى».

إرشادات صارمة للتجارب السريرية

في الولايات المتحدة، تراجع منظمة الغذاء والدواء دقة البيانات لكل مرحلة من التجارب السريرية قبل منح الموافقة أو الترخيص بالاستخدام الطارئ.

قال الدكتور كنيون إنه قبل بدء أي تجربة سريرية، يجب أن يوافق مجلس مراقبة البيانات والسلامة على بروتوكول الدراسة.

تركز المرحلة الأولى من التجربة على سلامة مرشح اللقاح. يعطي الباحثون جرعات متزايدة من اللقاح لمتطوعين أصحاء لتحديد الآثار الجانبية ومدى تحملها.
تتوسع تجارب المرحلة الثانية لتشمل المشاركين الذين يعانون ظروفًا صحية مثل السمنة والسرطان والسكري. وتشمل الدراسة مشاركين من مختلف الفئات السكانية. تواصل التجربة اختبار سلامة اللقاح وتراقب الفعالية الأولية للدواء وتأثيره في الجهاز المناعي.

تشمل المرحلة الثالثة من التجارب آلاف من المشاركين لقياس فعالية اللقاح في الوقاية من المرض.

قد تجمع التجارب السريرية بين مراحلها، وهي ممارسة شائعة تتبع نفس المعايير الأخلاقية والعلمية والإحصائية لكل مرحلة على حدة. قال الدكتور ياجر إن أحد العوامل الرئيسية وراء الانتهاء السريع من التجارب السريرية هو الاهتمام الكبير بالمتطوعين لدراسات اللقاحات. ما ساعد على تحقيق هدف الوصول إلى الآلاف من الناس بسرعة نسبيًا.

عامل آخر هو زيادة عدد مواقع الاختبار لتسهيل التسجيل وجمع الكثير من البيانات.

مراقبة السلامة بعد التطعيم

يواصل العلماء جمع بيانات السلامة، حتى بعد منح ترخيص الاستخدام الطارئ، إذ يتابعون المشاركين مدةً تصل إلى سنتين. هذا يضيف عامل آخر من الطمأنينة عند الانتقال من التجارب إلى بيئة الحياة الحقيقية.

قالت الدكتورة ماريان: «شملت التجربة عشرات الآلاف من المشاركين، رغم ضعف هذا الاحتمال فقد يُكشف عن سموم غير مكتشفة خلال التجربة».

تُراقَب السلامة بعد التطعيم لمرافق الرعاية الطارئة والرعاية طويلة الأمد بواسطة الشبكة الوطنية لسلامة الرعاية الصحية.

الخلاصة

أذنت الجائحة بعهد جديد من الأبحاث حول اللقاحات. إن الجمع بين التعاون العالمي بين العلماء وتطوير لقاحات الحمض النووي الريبي الرسول هو أقرب إلى «لحظة الهبوط على القمر»، وفقًا للدكتور ياجر.

مع استمرار ارتفاع عدد حالات كوفيد -19 في العديد من مناطق العالم، فإن التحدي المتمثل في تعميم اللقاحات على نطاق واسع يكمن في استيعاب الجمهور لها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *