على وقع شهقات وزفرات الطفلة الأفغانية “مُرسل” ذات العامين ونصف العام، وحركات لا إرادية لجسمها الغض، تتحرك والدتها يمنة ويسرة، وتذرع الغرفة جيئة وذهابا، عسى أن يخلو لفلذة كبدها سرير بوحدة العناية المركزة المجاورة.
تتمدد الطفلة هنا بـ”مستشفى أنديرا غاندي التخصصي للأطفال” وسط العاصمة كابل على سرير لا يبدو بالقدر الكافي من النظافة والوقاية، وهي تعاني عددا من الأمراض.
قطاع الصحة بأفغانستان
يقول الأطباء إن لديها ورما في الدماغ تؤثر أدويته على كبدها العليل وداء الدرن (السُّل) الذي تعاني منه، وإن “وضعها الصحي خطير جدا، وكبدها لم يعد يعمل إلا بنسبة ضئيلة”.
لكن وضعها الصحي يبقى -مع ذلك- أهون من وضع 10 أطفال ممددين هنا بوحدة العناية المركزة في الغرفة المجاورة.
من بين هؤلاء الطفلة كلثوم ذات الشهور التسعة التي استلزمت حالتها الصحية وضعها تحت التنفس الصناعي. وقد تسبب لها ابتلاع كمية من جوز الهند قبل أيام في تسمم و”التهاب رئوي كيميائي حاد” وفق تشخيص الطبيب الذي يراقب وضعها الصحي الخطير.
وهنا أيضا الطفل “جاويد جان محمد” ذو الشهور الخمسة الذي يقاسي من “مرض الصفار” و”التهاب الكبد المزمن” الذي تسبب له في فشل كلوي جزئي.
ويعاني قطاع الصحة الأفغانية من اختلالات خطيرة وفق منظمة الصحة العالمية، التي أطلقت في وقت سابق دعوة للجهات المانحة لتقديم الدعم.
ويتهم مدير “مستشفى أنديرا غاندي التخصصي للأطفال” الدكتور “محمد حسيب رحميزي وردك” العالم بالتخلي عن أفغانستان صحيا.
ويقول في تصريح لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان إن منظمة الصحة العالمية لا تقدم لمؤسسته إلا النزر اليسير من الدعم، وإنها عادة ما تقدم خلال 6 أشهر طردا دوائيا واحدا “وفي أغلب الأحيان نلاحظ أن تأريخ الأدوية فيه على وشك النفاد!”.
أما بخصوص اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فكانت تقدم على مدى سنتين -وفق المسؤول الأفغاني- مساعدات مهمة عبارة عن أدوية وأغذية ورواتب للموظفين والأطباء ولكن كل ذلك توقف منذ عام بحجة الحرب في أوكرانيا.. ويضيف “قالوا لنا بصراحة: الأولوية الآن لأوكرانيا”.
ويقول إن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لا يقدم هو الآخر أي دعم “باستثناء بعض الحليب المقوي للأطفال المصابين بسوء التغذية”.
وحين سألناه عما يتلقاه المستشفى من دعم من قِبَل الدول العربية والإسلامية، نفى وردك وجود أي دعم لمؤسسته من قبل العرب أو المسلمين. وقال إن المستشفى يعتمد اعتمادا شبه كلي على الحكومة الأفغانية، وإن السفارة الهندية في كابل تقدم له أيضا بعض الدعم الطبي.
وأنشئ المستشفى قبل 55 عاما أيام حكم رئيسة الوزراء الهندية البارزة، الراحلة أنديرا غاندي.
وإزاء هذا الوضع الصحي الحرج، ووقف التمويلات الخارجية، تعمد حكومة طالبان إلى تشجيع الاستثمار في بعض الصناعات الدوائية. غير أن هذه الصناعات لا تحظى دائما بالثقة الكاملة من قبل المواطنين.
وبشأن جودتها يقول محمد صديق، صاحب مصنع الدواء في ولاية قندهار، في تصريح لمركز الجزيرة للحريات، إن بإمكان الدواء الأفغاني منافسة الدواء المستورد من باكستان وإيران وإن هناك “رقابة صارمة” على تلك الجودة.
ويعترف صديق بأن ثمة محاولات لضرب سمعة المنتج الأفغاني “بسبب عمليات استنساخ له لضرب الثقة فيه”.
وبشأن ما إذا كانت المواد الخام لتلك الأدوية محلية أو مستوردة، يقول إنه “توجد في أفغانستان مواد خام، ولكن الأمر يحتاج إلى عملية طويلة وشاقة ومكلفة في الوقت نفسه”.
وإلى أن يستوي الوضع الصحي في أفغانستان على سوقه، بسبب جهود محلية خالصة، تبقى مرسل وكلثوم وجاويد وغيرهم من الأطفال المرضى في هذا المستشفى وغيره من مستشفيات البلاد ينتظرون هنا العون واليد الشافية. أما نقلهم إلى الخارج للتداوي فيبقى حلما بعيد المنال وفق ما يقول ذووهم وأطباؤهم.