لم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة ومحيطه منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، لكنها تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتعمد الاحتلال استباق شهر رمضان بسلسلة من الاعتداءات الرامية لإحكام السيطرة على أولى القبلتين بشكل كامل.
المسجد الأقصى
الجزيرة نت رصدت عددا من الانتهاكات التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال في المسجد الأقصى ومحيطه مؤخرا، واعتبرها كل من الأردن والسلطة الفلسطينية خرقا “للوضع الراهن” والقانون الدولي، لتضاف إلى خروق سابقة أبرزها اقتحامات المستوطنين وجنود الاحتلال للمسجد.
الانتهاء من نصب برج للتجسس أعلى المدرسة التنكزية المطلة على ساحات المسجد والتي يسيطر عليها الاحتلال منذ عام 1967. ويضم البرج كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت ولواقط صوتية ترصد ذبذبات حديث رواد المسجد.
نصب كاميرات مراقبة جديدة في محيط المسجد الأقصى عند بابي الأسباط والمطهرة، وقرب مئذنة باب السلسلة.
نصب حواجز حديدية متنقلة عند باب الأسباط بعد أيام من نصب مكعبات إسمنتية عند هذا الباب من الخارج ومدخل مقبرة باب الرحمة الإسلامية. وتوالت لاحقا عملية نصب المتاريس والحواجز الحديدية لإحكام السيطرة على باب الأسباط ومحيطه.
تركيب أسلاك شائكة على سور القدس المحاذي للمسجد الأقصى من جهة باب الأسباط.
أُغلق حاجز “الأعمدة الإلكترونية” القريب من باب الأسباط أمام المقدسيين المصرح لهم بعبوره، وقيل لهم إن ذلك جاء بأمر من شرطة الاحتلال.
شرطة الاحتلال نصبت على كل من باب الملك فيصل والحديد والغوانمة أقفاصا حديدية لحماية أفرادها المتمركزين عند أبواب المسجد الأقصى.
منعت شرطة الاحتلال عناصر ومتطوعي الهلال الأحمر من الدخول إلى باحات الأقصى لتقديم خدماتهم الإنسانية والإسعافية للمصلين في الجمعة الأولى من رمضان، دون إبداء أسباب ذلك، واعتبرت الجمعية ذلك سابقة خطيرة.
ويُصَنف قانون الـ”ستاتيكو” (الوضع الراهن) وفقا لأستاذ القانون الدولي في جامعة القدس منير نسية بأنه قانون دولي سُنّ خلال حكم الدولة العثمانية، ويتعلق بالأماكن المقدسة التي يجب “أن تبقى على حالها دون أي مساس أو خرق”.
هذا القانون من شأنه أن يحفظ حقوق الأديان والطوائف والمعالم التاريخية والدينية، وصون هوية الأماكن والمقدسات وتبعيتها الإدارية، بالإضافة إلى الأدوار والصلاحيات الدينية والتاريخية للجميع.
ويفيد مصطلح “الوضع الراهن” للأقصى بأن المسجد بساحاته ومصلياته ومدارسه ومعالمه المسقوفة وغير المسقوفة هو ملك خالص للمسلمين، ولهم إدارته في كل ما يتعلق بالسياحة والزيارة لهذا المكان المقدس الذي يتربع على مساحة 144 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع).
وبالتالي، فإن القانون الدولي ينظر للانتهاكات الإسرائيلية في الأقصى من منظور الإدانة والخرق للوضع الراهن فيه، وفقا للخبير في القانون الدولي.
المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة قال للجزيرة نت إن إسرائيل تكذب عندما تقول إنها تحافظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى لأن الانتهاكات التي تحصل في هذا المقدس ومحيطه منذ عام 1967 تهدف للسيطرة الكاملة عليه وتحويله من مقدس إسلامي إلى يهودي، وهي لا تتردد في تسميته بـ”جبل الهيكل”.
وأكد زبارقة أن الوضع الراهن ينص على أن هذا المكان هو مقدس حصري للمسلمين، ولا يوجد أي حق للشرطة الإسرائيلية في تقييده والاعتداء عليه، كما أنه لا اعتراف لأي وجود يهودي داخل سوره تحت أي مسمى.
وختم المحامي زبارقة حديثه بالقول “وصلنا أيضا أنه تم تركيب ما هو أخطر من كاميرات المراقبة، وهو تشغيل برنامج تجسس عالي الدقة تم تركيبه حول المسجد للسيطرة على كل ما يحصل فيه على يد شركة أميركية، وتم تشغيله في الأسبوع الأخير”.
أما الباحث المختص في شؤون القدس زياد ابحيص فيقرأ الانتهاكات الأخيرة في ثلاثة سياقات:
السياق الأول: بعد 21 عاما من الصعود التدريجي للصهيونية الدينية أصبح تغيير هوية الأقصى من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك تمهيدا لتحويله إلى مقدس يهودي سياسةً مركزية للكيان الصهيوني الذي بات مستعدا إلى أن يتكبد خسائر من أجل تحقيقه، ويجعله عنوانا لمعركة تصفية هوية وقضية فلسطين.
وبالتالي فإن تقليل عدد المصلين الواصلين للمسجد هو هدف بحد ذاته لأن تغيير هوية المسجد تتطلب بالضرورة تقليل أعداد المسلمين الواصلين إليه للسيطرة على الحشود والتحكم في أوقات دخولها وخروجها وطريقة تعبدها داخل المسجد كما رأينا في معركة الاعتكاف العام الماضي.
السياق الثاني: هو نظرة الاحتلال خلال الحرب للأقصى باعتباره عنوانا لتفريغ معركة طوفان الأقصى من معناها، إذ يتعمد الاحتلال اليوم إطلاق يد المستوطنين في المسجد وبالطقوس التوراتية التي كانوا يترددون فيها سابقا، وحتى إطلاق يدهم في حضور إداري لم يكن موجودا، فنرى مشرفين ومرشدين في الأقصى يلبسون ملابس خاصة ويتبعون لمنظمة “بيدينو” (إحدى منظمات جماعات الهيكل المتطرفة).
والهدف من وجود هؤلاء هو القول إن هناك جسما إداريا موازيا للأوقاف الأردنية في أوقات الاقتحام على الأقل، وهذا الجسم يستطيع أن يظهر نفسه بعلانية لم يكن حاضرا فيها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولأن الاحتلال يريد أن يبالغ في النكاية فهو يحافظ على مكانة الأقصى باعتباره العنوان المركزي الذي يستنزل فيه قوته بشكل متتال، ويفتح الباب على مواجهات أخرى قريبة قادمة رغم كل ما حصل في قطاع غزة.
السياق الثالث: يتمثل في فكرة حصار الأقصى الذي بدأ عمليا في رأس السنة العبرية بموسم الأعياد الذي سبق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما زال متواصلا حتى يومنا هذا.
استساغ الاحتلال هذا الحصار ووجده الطريقة المناسبة التي يريد أن يدير بها حضور المسلمين في الأقصى، ونحن أمام محاولة لتأبيد الحصار من خلال منع دخول المصلين عبر الأسطح بعد تسييج السور في محيطه، وتصغير مساحات الدخول إليه بعد نصب الأقفاص الحديدية التي وضعت للاختبار، ورصد مدى حساسية المصلين منها، وسيجري تعميمها على بقية الأبواب إذا مُررت الخطوة.
ورغم أن مراقبة المصلين من المدرسة التنكزية كانت قائمة سابقا، فإن ما يجري اليوم هو محاولة لجعلها أكثر حضورا وإشرافا من خلال كاميرات تتعرف على الوجوه، والحديث عن أن البرج الجديد يحتوي على لواقط صوتية تستطيع أن تلتقط ذبذبات الصوت للحديث الطبيعي للمصلين في الأقصى وليس ما يتم تداوله عبر الهواتف، وهناك بعض التلميحات عن ذلك ولم تُنشر بشكل صريح وعلني.
الباحث ابحيص ختم حديثه للجزيرة نت بالقول “نحن أمام حالة من تغييرات أمنية واسعة تحصل في محيط المسجد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتأبيد الحصار عليه وإحكامه وإطباقه خاصة أن هذا حلم قديم عند نتنياهو بطرحه فكرة الكاميرات عام 2015، أو بمحاولته فرض البوابات الإلكترونية في 2017، واليوم هو يعيد ترجمته بشكل جديد وبأدوات أخرى من الهيمنة والسيطرة على الأقصى”.