لا يزال عشرات الحراس الجدد الذين عيّنتهم دائرة الأوقاف الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك، حديثا، أو منذ ما عُرف بـ”هبّة البوابات الإلكترونية”، صيف 2017، ممنوعين من العمل بأوامر الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تعرّض حرّاسه الحاليين للاعتقال والإبعاد والتضييق على عملهم، بشكل متكرر.
وتمر أخبار استهداف حرّاس المسجد الأقصى وغيرهم من موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية مرور الكرام في الأخبار اليومية بالعاصمة المقدسة، لكنها تشير إلى سياسة إسرائيلية قد تُحدِث خللا في نظام الحراسة بالأقصى المبارك.
فمنذ انتصار إرادة المقدسيين في “هبّة البوابات الإلكترونية”، وإجبار شرطة الاحتلال على إزالتها عن مداخل المسجد الأقصى ازدادت التضييقات على المصلّين والحراس وجميع موظفي الأوقاف، ومن هذه التضييقات منع 60 حارسا وحارسة عُيّنوا في ذلك الوقت من مباشرة عملهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد مدير المسجد الأقصى المبارك، عمر الكسواني، أن كل من عُيّن هُدّد بالاعتقال ومُنع من مباشرة عمله، وأن الأوقاف عيّنت 15 حارسا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للحراسة الليلية، وتصرفت الشرطة بالطريقة ذاتها معهم.
تدخّل سافر
وعدّ الكسواني ذلك تدخلا سافرا في شؤون دائرة الأوقاف الإسلامية التي ترى أن الحاجة ماسّة لتعيين حراس جدد، الآن، خاصة أن بعض الحراس أحيلوا على التقاعد، وغيرهم قدموا استقالاتهم، وآخرين توفاهم الله.
ويبلغ عدد الحراس الحاليين وفقا للكسواني 256 حارسا وحارسة، يعانون من تضييق يومي أثناء قيامهم بواجبهم تجاه المسجد الأقصى والمصلين.
وأضاف “بُعيد انتهاء هبّة البوابات الإلكترونية في يوليو/تموز 2017 حتى نهاية ذلك العام، تعرض 40 حارسا للاعتقال والإبعاد عن الأقصى عقوبة لهم ولفترات تمتد بين 4 و6 أشهر، وما زالت هذه العقوبة تُمارس عليهم حتى الآن، وذلك يعيق استمرار عملهم اليومي داخل المسجد”.
حرّاس بلا صلاحيات
وعن طبيعة التضييقات اليومية التي يتعرضون لها، قال أحد حرّاس المسجد الأقصى، الذي فضّل عدم نشر اسمه، إنه يعمل بلا سلطة؛ فلا يسمح له بفتح الباب الذي يناوب عليه إلا عند وصول الشرطي الإسرائيلي الذي يسيطر على الأبواب من الخارج، ولا يسمح الإسرائيلي بفتح الباب إلا في السابعة والنصف صباحا بالضبط.
ويقول الحارس “لا يُسمح لي بمساعدة أي مصلّ وافد إلى المسجد إذا أعاقت الشرطة المتمركزة على الأبواب دخوله، وإذا تدخلتُ في النقاش أُعاقب بالاعتقال وأُسلّم قرار إبعاد عن الأقصى فورا”.
يضاف إلى ذلك الاعتداءات الفورية التي قد يتعرض لها أي حارس يتصدّى لاقتحامات وانتهاكات المستوطنين المتطرفين داخل المسجد، أو يوثّقها بهاتفه الشخصي.
ويؤكد الحارس نفسه أن “الخناق يشتد يوما بعد يوم وجميع الحراس يجدون أنفسهم مكبّلين عاجزين عن حماية هذا المكان المقدس”.
شروط إسرائيلية مرفوضة
يقول خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، الشيخ عكرمة صبري، إنه بعد فشل إسرائيل في بسط سيادتها على الأقصى بتركيب البوابات الإلكترونية صيف عام 2017 باشرت بإجراءات تجاوزت فيها دائرة الأوقاف الإسلامية من أجل فرض السيطرة.
ومن بين هذه الإجراءات التدخل في تعيين حراس جدد؛ إذ اشترطت الشرطة الإسرائيلية على الأوقاف أن تزودها بملف أي شخص تريد توظيفه حارسا، لدراسة ملفه قبل مباشرة عمله، و”ذلك لإيصال رسالة مفادها أن الشرطة هي المسؤولة عن تعيينات الحراس، وهذا تجسيد للسيادة الإسرائيلية على الأقصى”.
وحسب الشيخ صبري، “رفضت الأوقاف هذا الشرط وتوقف التعيين منذ ذلك الوقت ومن ثم لدينا الآن نقص في عدد الحراس نتيجة الاستقالات والإبعادات والوفيات والإحالات إلى التقاعد، وتحتاج الدائرة لتعيين 70 حارسا جديدا لسد الفجوة”.
ولفت صبري للجزيرة نت إلى قيام الأردن (الجهة المسؤولة عن الأوقاف في القدس) باتصالات مع إسرائيل للضغط عليها في هذا الملف بالتحديد، والجميع ينتظر نتائج ذلك في وضع يشوبه الحذر والخطر، كما وصفه خطيب الأقصى، الذي أشار إلى أن الأوقاف ستعاني من خلل في الحراسة في المستقبل إذا لم يكن هناك تدخل سريع ومباشر لتوفير الطاقة البشرية التي تحتاج إليها مساحة الأقصى البالغة 144 دونما.
مساعٍ لإلغاء دور الأوقاف
مؤسسة القدس الدولية أصدرت قبل أيام بيانا جاء فيه أن العدوان المتصاعد كمّا ونوعا على حراس المسجد الأقصى وموظفي الأوقاف يفصح بجلاء عن غاية الاحتلال تجاه الأوقاف، وهي إلغاء وجودها ودورها، والانفراد بالمسجد الأقصى وتولّي إدارته مكان الأوقاف الإسلامية.
وطالبت المؤسسة الأردن بموقف سياسي يحافظ على “أمانة المسجد وحصريته الإسلامية التي لا تقبل المشاركة ولا التقسيم”، وبالوقوف إلى جانب موظفيه الرسميين بكل الأدوات السياسية والقانونية والمعنوية، وعدم التخلي عنهم، فهم طليعة الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.