السنوار يخلف هنية … بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، ترقّب العالم أجمع – بلا مبالغة – اسم الرجل الذي سيخلف هنية، ويتحمل عبء مسؤوليات المكتب السياسي لأهم حركة سياسية في العالم اليوم، لتخرج علينا حماس بمفاجأة من العيار الثقيل، باختيار يحيى السنوار مسؤول المكتب السياسي في غزة ليتحمّل هذه المسؤولية.
السنوار يخلف هنية
هذا الإعلان يعد مفاجأة، لأن الشائعات التي انتشرت في الأيام الأخيرة حول مسألة خلافة هنية، كانت تشير بشكل رئيسي إلى مرشحَين آخَرين، هما خالد مشعل، القيادي المعروف ومسؤول الحركة في الخارج، ورفيق هنية خلال السنوات العشر الأخيرة، ومحمد إسماعيل درويش، وهذا اسم لشاب مجهول نسبيًا في التنظيم، وغير معروف إعلاميًا.
كعادته اختار السنوار أن يقلب الموازين، أو اختارت الحركة أن تقلب الموازين باختيارها له، ولعل عودة السنوار إلى الحياة السياسية – وهو ابن بار لكتائب القسام – هي في حد ذاتها قلب للموازين، ورسالة أرادتها الحركة في 2017 لتعيد الكرة في 2024 مرة أخرى، في وقت يحتاج فيه إلى رد قوي على ترتيبات الاحتلال وحلفائه.
فالسنوار، الذي انتُخب في 2017 زعيمًا للحركة في غزة، مثّل صعوده صعودًا جديدًا للداخل على حساب رؤية التحرك من الخارج، التي تبنتها الحركة في فترة من الفترات، كما أن خلفيته العسكرية جعلت التوافق أكبر مع قادة الجناح العسكري للحركة، وهو ما أمكن ترجمته في اتخاذ قرار طوفان الأقصى.
وصحيح أن فكرة عودة النفوذ إلى الداخل برزت بعودة السنوار في انتخابات 2017، إلا أن تطبيق هذه الفكرة الآن محل نظر، إذ إن عملية التواصل بين رئيس المكتب السياسي للحركة وقياداتها في الخارج محل شك، على أقل تقدير من حيث الدوافع الأمنية.
فلا يخفى على أحد – كما لا يخفى على قادة الحركة- أن طائرات التجسس البريطانية تحلق في سماء غزة ليل نهار، وأن سلاح المهندسين وسلاح الإشارة في جيش الاحتلال يصل الليل بالنهار ليلتقط أي إشارة لاتصال من قادة الحركة في غزة فيما بينهم أو بالخارج، وهو حال الأقمار التجسسية الأميركية، لذا فإن اختيار رئيس المكتب السياسي للحركة في هذه الظروف رمزي وله دلالات، أكثر منه واقعيًا وتنفيذيًا.
فواقعيّة المشهد تؤكّد أن السنوار سيواجه صعوبة في تنفيذ مهامه رئيسًا للمكتب السياسي من مخبئه في غزة، إذ إنه لن يتحرك كثيرًا في القطاع، ومن ثم لن يستطيع السفر لتنفيذ مهامّه المنوط بها في الخارج، لذا من المتوقّع أن توكل هذه المهام إلى شخص آخر حركته أخفّ مع وجود المتابعة والتّوجيه له.
ومن هنا فإن الحديث بالأساس عن محمد إسماعيل درويش ربما يكون محاولة لطرح الاسم من أجل التمهيد لدور للشاب، يقوم به في الأيام القادمة، في واحدة من الرسائل التي أرادتها الحركة من اختيار السنوار، فلو تم اختيار درويش فإن على شباب الحركة أن يتهيَّؤُوا من أجل حمل الأمانة، إذ إنّه من المعلوم أن أغلب القيادات الحالية ممن صحب الشيخ المؤسس، والرعيل الأول للحركة.
لقد بات على جيل القيادة الحالي أن يعدَّ جيلًا شابًا يحمل الأمانة ومسؤولية الشعب، ومصير المقاومة، وهي رسالة أخرى بأن المقاومة باقية مهما حاول الاحتلال وحلفاؤه من الغرب والشرق والجوار أن يخططوا لليوم التالي لغزة بعد الحرب.
والرسالة الثالثة هي أن الموضوعين على قوائم الاغتيالات في بنك أهداف الاحتلال، والذين يعلن إعلام الكذب في الكيان المحتل ومن يسير على دربه بأنهم قُتلوا، إنما هم أحياء ويقاومون، وأن ادعاءات الوصول إليهم أو اقتفاء أثرهم، إنما هي دعايات المهزوم.
والرسالة الرابعة هي أن قيادة حماس في غزة تزداد قوة مقارنة بقيادة حماس في الخارج، وهو ما يعني أن مسار المفاوضات أصبح صعبًا، رغم أنه قرار مصيري تُقدّم فيه الحركة مصلحة الشعب على حاجتها، فالحديث عن أن السنوار سيعقِّد المسار يضر ولا ينفع، ويخدم الاحتلال أكثر مما يوقد العزيمة، فالسنوار العالِم بسيكولوجية المجتمع الإسرائيلي يعرف متى يشدّ ومتى يرخي.