في الثاني من مايو/أيار الماضي، عرضت شاشة الجزيرة مشاهد تحبس الأنفاس ملتقطة من مُسيّرة إسرائيلية كانت قد أسقطت في غزة في ديسمبر/كانون الأول 2023. أظهرت اللقطات فلسطينيا يجوب شوارع حي الشجاعية الخاوية بمدينة غزة، ويمر قرب جثة لفلسطيني مجهول، ثم يفتح أبواب صفوف مدرسية (بحثا عن أسرى أو متفجرات على الأرجح) تحت رقابة لصيقة من مسيّرة إسرائيلية كبيرة، وأخرى أصغر حجما، تتبعه كظله.
الدروع البشرية
هذه اللقطات التي لم تتعد مدتها الدقيقتين، وثقت بالصوت والصورة جريمة استخدام الجيش الإسرائيلي مدنيًّا لم تُعرف هويته (كان رهن الاعتقال على الأرجح) كدرع بشري في خضم حرب يزعم مهندسوها أن جيشهم هو الأكثر أخلاقية في العالم.
في سياق متابعتها لهذا النوع من جرائم الحرب الذي سبق لمنظمات حقوقية بينها “بيتسلم” الإسرائيلية أن أكدت حدوثه في الضفة الغربية منذ عام 2005، عثرت الجزيرة نت على وقائع استخدام الجيش الإسرائيلي مدنيين دروعًا بشرية في غزة خلال الحرب المتواصلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
يقول محمد أبو السعيد (42 عاما) المقيم في خان يونس إن الجنود الإسرائيليين أخرجوه عنوة من منزله وهو يرفع راية بيضاء، ثم أجبروه على دخول عشرات المنازل وغرف مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لتفتيشها والبحث عن المقاومين الفلسطينيين قبل اقتحام الجيش تلك الأماكن.
يضيف أبو السعيد للجزيرة نت “هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة خان يونس في شهر رمضان الماضي في مارس/آذار 2024، وكنا قد عدنا لمنزلنا بعد رحلة نزوح طويلة وشاقة في منطقة المواصي غرب المدينة”.
واعتقل جيش الاحتلال أبو السعيد بالقرب من منزله عند مجمع ناصر الطبي، وقام بتعريته من ملابسه وإرساله إلى مركز وجود جنود جيش الاحتلال في الملعب البلدي لمدينة خان يونس الموجود قرب المجمع الطبي.
تعرض أبو السعيد لتحقيق سريع من قبل الجنود الإسرائيليين داخل النادي، ثم طُلب منه التوجّه برفقة شقيقه الأصغر إلى منازل المواطنين القريبة من منطقة وجود الجيش، والدخول إليها والتأكد من خلوّها من أي مقاومين.
يوضح الرجل أن الجيش استخدمه كدرع بشري على مدى 15 يومًا، إذ كان يبدأ يومه عند الساعة السادسة صباحًا وينتهي في الساعة السابعة مساءً.
يعدّ أبو السعيد واحدا من عشرات الشبان الذين استخدمهم جيش الاحتلال الإسرائيلي دروعا بشرية، وأجبرهم على تفتيش منازل وآبار مياه الصرف الصحي وغرف مستشفيات، وفقا لما وثقه معدّ التحقيق.
وانتهت فترة اعتقاله واستخدامه كأحد الدروع البشرية بعد قيام جيش الاحتلال بوضعه، برفقة شقيقه وأحد جيرانه، داخل مستشفى الهلال الأحمر بمنطقة حي الأمل قبل انسحابه من مدينة خان يونس في أبريل/نيسان الماضي. وعند الساعة السادسة صباحًا، خرج الشباب الثلاثة من مستشفى الهلال الأحمر وهم مكبلو الأيدي، وتمكنوا من الوصول إلى منطقة المواصي غرب المدينة.
بعد مرور نحو شهر على الإفراج عن أبو السعيد، اصطحب معد التحقيق إلى المنازل التي كان دخلها لتفتيشها تحت تهديد القتل من قبل جنود جيش الاحتلال بمخيم خان يونس غرب المدينة، وتبين أنه تم تدميرها جميعا وبشكل كامل.
مسعود أحمد (36 عامًا) هو شاب فلسطيني آخر اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال هجومه على مدينة خان يونس بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي برفقة اثنين من أشقائه وجيرانه بعد أيام من حصاره داخل منزله، وتم وضعه في مجمع ناصر الطبي، وهناك تعرض للتحقيق والضرب.
وأجبر جنود إسرائيليون مسعود على دخول جميع غرف مجمع ناصر الطبي، وتفتيشها والتأكد من خلوّها من العبوات الناسفة أو وجود مقاتلين فلسطينيين، والمخاطرة بحياته بدلًا من حياة الجنود.
يقول مسعود للجزيرة نت “استخدمنا جيش الاحتلال كدروع بشرية، إذ وضعوا على أجسادنا كاميرات مثبتة كانت تصوّر كل شيء بالغرفة التي ندخلها، وبعد العودة من تفقد تلك الأماكن يقومون بتفريغ المشاهد التي تم تصويرها، ونعود في اليوم التالي للمهمة الخطرة نفسها”.
ومن أصعب ما أُجبر عليه الشاب مسعود، كان مطالبة جندي إسرائيلي له بفتح غطاء لفتحة مياه صرف صحي والنزول إلى داخلها، والمشي لأكثر من 15 مترا داخل ممر الصرف الصحي والعودة مرة أخرى لإعطائه الكاميرا ليتأكد من خلوه من أي مقاومين.
يشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سبق أن بث مشاهد لاقتحامه مجمع ناصر الطبي في فبراير/شباط الماضي ظهر خلالها جنوده داخل غرف المستشفى، كما ظهر ضابط ميداني يجري تحقيقا مع مدير المجمع الدكتور عاطف الحوت.