أمام غرفة صغيرة داخل العيادة الخارجية في مجمع ناصر الطبي بجنوب قطاع غزة، يحتشد مئات الأطفال المصابين أمراض جلدية نادرة تظهر في غزة ، ينتظرون الدخول إلى طبيب للكشف عليهم وكتابة العلاج لهم وطمأنة مرافقيهم
أمراض جلدية نادرة تظهر في غزة
من بين هؤلاء الأطفال، كانت الحالة الأبرز للطفل محمد داود الذي تنتشر في كل أنحاء جسده حبوب تظهر كأنها حروق، وكان الجميع يبتعد عنه خشية انتقال العدوى لهم منه. دخل داود بعد انتظار دام أكثر من ساعة إلى غرفة استشاري الأمراض الجلدية الطبيب عامر المصري الذي وقف مصدومًا حين شاهد الالتهابات الجلدية المنتشرة على جسد الطفل من أسفل قدمه حتى رقبته.
أخرج الطبيب المصري جميع مرضاه من الغرفة، وبدأ بفحص الطفل داود وهو بحالة صدمة لأن هذه الحالة لم تمر به في مسيرته الطبية المهنية بهذا الشكل من قبل.
أظهر تشخيص الطبيب المصري أن الطفل يعاني من التهاب جلد فقاعي بكتيري معدٍ، وهو من أصعب الالتهابات لأنه ينتشر في كل أنحاء الجسم من رأسه حتى أخمص قدميه، ويحتاج إلى دخول المستشفى وتلقي العلاجات عن طريق الوريد.
في خارج الغرفة، التقى مراسل الجزيرة نت بسليمان، والد الطفل داود، ليعرف منه الأسباب التي أوصلت الحالة الصحية لابنه إلى هذه الخطورة.
يقول والد داود “نزحنا من شمال قطاع غزة في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى الجنوب وتحديدًا منطقة المواصي في خان يونس، وعشنا في خيمة من النايلون والبلاستيك، وحولنا آلاف الخيام للنازحين”.
بعد شهر واحد من نزوح عائلة داود، بدأت مياه الصرف الصحي تتدفق أمام خيمتهم لعدم وجود منطقة مؤهلة للسكن وغياب أي مظاهر للبنية التحتية في المواصي غربي خان يونس.
يفتقد سليمان وأطفاله الستة أي أنواع من المنظفات والمياه النظيفة من أجل الاستحمام والنظافة ووقاية أنفسهم من انتشار الأمراض التي بدأت تظهر بين النازحين بسبب غياب أدوات النظافة، ووجود مياه الصرف الصحي في كل مكان.
يعد الطفل داود واحدًا من آلاف الأطفال بقطاع غزة الذين أصيبوا بأمراض جلدية معدية، نتيجة الانتشار السريع لمياه الصرف الصحي، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، وارتفاع أسعار المنظفات في حالة توفرها في القطاع.
إلى جانب الطفل داود، تعاني الطفلة روزان الهسي من انتشار مرض جلدي نادر في أنحاء جسدها ورأسها منذ أكثر من 4 أشهر، دون تمكن عائلتها من الحصول على تشخيص دقيق لحالتها أو علاج مناسب.
تعيش الهسي (12 عامًا) في خيمة بمنطقة دير البلح وسط قطاع غزة بعد نزوح عائلتها من مدينة غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع استمرار الحرب وتكدّس آلاف النازحين في المنطقة التي شيدوا خيمتهم بها.
أمام خيمة الهسي المهترئة تتدفق مياه الصرف الصحي صباح مساء بسبب عدم وجود أي بنى تحتية للمنطقة التي نزحت عائلتها إليها، ووجود آلاف الخيام والنازحين الذين شيدوا أيضًا حمامات من البلاستيك، وأطلقوا تصريف مياهها إلى الشوارع.
أصيبت الهسي، كما تؤكد والدتها أم يحيى، للجزيرة نت، بمرض جلدي انتشر في جميع أنحاء جسدها، ولم يستطع أي طبيب تشخيص طبيعة ما ينتشر في جسد ابنتها.
لم تحصل الهسي على العلاج المناسب لعدم قدرة الأطباء على تشخيص مرضها، وبسبب نفاذ كثير من الأدوية في صيدليات قطاع غزة والمستشفيات.
تقول أم يحيى “لا تنام ابنتي من شدة الهيجان في جسدها، وخاصة رأسها خلال الليل. أضع لها زيت الزيتون، ولكن لا جدوى ولا تحسّن في حالتها”.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أكدت أن أطفال قطاع غزة يواجهون ظروفًا صعبة وسط الأمراض الجلدية والبيئة غير الصحية والأعمال العدائية التي لا تنتهي.
وبينت المنظمة الأممية، في منشور على حسابها عبر منصة “إكس”، أن أطفال غزة يواجهون ظروفًا صعبة، منها الأمراض الجلدية والبيئة غير الصحية.
تؤكد الأمم المتحدة أن أسواق قطاع غزة تفتقر إلى المعقمات ومواد وأدوات النظافة الشخصية في ظل العوائق أمام دخول الإمدادات إلى غزة.
كما يشتكي النازحون من عدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم المتعلقة بالنظافة الشخصية، واستمرار تفشي الأمراض المعدية، وتلوث المياه وغياب خدمات الصرف الصحي، وفقا للأمم المتحدة.
منظمة الصحة العالمية دقت أيضًا ناقوس الخطر بشأن الانتشار السريع للأمراض المعدية في غزة مع تعطل المرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي، ودعت إلى تعجيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء القطاع، بما في ذلك الوقود والمياه والغذاء والمستلزمات الطبية.
وحذرت المنظمة من أن الأضرار التي لحقت بشبكات المياه والصرف الصحي وتناقص مستلزمات التنظيف أدت إلى استحالة الالتزام بالتدابير الأساسية للوقاية من العدوى ومكافحتها داخل المرافق الصحية، بما في ذلك بين العاملين الصحيين.
يوجد -حسب المنظمة- خطر ناجم عن توقف أعمال التطعيم الروتيني ونقص الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض السارية ومحدودية الاتصالات التي بدورها تقيد القدرة على الكشف المبكر عن الأوبئة المحتملة.