قفز عشرات الرجال الملثمين من سيارتي دفع رباعي وشاحنة صغيرة بيضاء واقتحموا مطعم كنتاكي في بغداد، وحطموا كل شيء قبل الفرار من مكان الحادث. وقبل بضعة أيام، وقعت أعمال عنف مماثلة في مطعمين آخرين، وجميعها تحمل علامات تجارية أميركية مشهورة في العاصمة العراقية.
هجمات على شركات مرتبطة بأميركا
ووفق تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، فإنه على الرغم من عدم إصابة أحد بأذى خطير، فإن الهجمات الأخيرة -التي نظمها على ما يبدو أنصار المليشيات المدعومة من إيران والمناهضة للولايات المتحدة في العراق- تعكس الغضب المتزايد ضد الولايات المتحدة، الحليف الأكبر لإسرائيل، بشأن الحرب في غزة.
لقد سارت الحكومات العراقية لسنوات على خط دقيق بين واشنطن وطهران، لكن الحرب المستمرة منذ 8 أشهر في غزة زادت من المخاطر بشكل خطير.
وبعد أيام من اندلاع الحرب، شن تحالف من المليشيات المدعومة من إيران، يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق، عشرات الهجمات على قواعد تضم قوات أميركية في العراق وشرق سوريا.
وتوقفت تلك الهجمات في فبراير/شباط الماضي، ولكن فقط بعد سلسلة من الضربات الأميركية الانتقامية في أعقاب سقوط طائرة بدون طيار على قاعدة في الأردن، مما أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيين.
تمثل الهجمات على الشركات والعلامات التجارية المرتبطة بالولايات المتحدة في العراق أواخر مايو/أيار الماضي وأوائل هذا الأسبوع تغييرا في التكتيكات التي تهدف إلى تعظيم المشاعر المناهضة للولايات المتحدة مع دعم واشنطن لإسرائيل التي قتلت أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى اليوم خلال حربها على غزة.
لقد حدث هجوم كنتاكي وكأنه عملية سطو، إلا أن المهاجمين لم يكونوا يسعون وراء المال.
وتظهر لقطات كاميرات المراقبة الرجال الملثمين وهم يقتحمون مطعم الوجبات السريعة بينما يهرب العمال والزبائن المذعورون عبر مخرج خلفي. ثم يشرع الرجال بعد ذلك في تحطيم النوافذ وشاشات التلفاز وكسر الكراسي والطاولات وأدوات المطبخ، وأي شيء آخر يمكن أن يجدوه.
وبعد دقائق، وصلت قوات الأمن إلى مكان الحادث وأطلقت طلقات تحذيرية، بينما ركض الجناة إلى سياراتهم وابتعدوا بسرعة.
وفي حوادث أخرى، تم إطلاق قنبلة صوتية خارج متجر شركة كاتربيلر، مما هز الحي وخلّف حفرة صغيرة في الشارع.
وسار متظاهرون يحملون الأعلام الفلسطينية والعراقية الأسبوع الماضي إلى مكاتب شركة بيبسي في بغداد، وهم يهتفون “لا للعملاء” و”لا لإسرائيل”. ونظم احتجاج آخر خارج مكاتب شركة بروكتر آند غامبل.
وتحرس القوات العراقية المسلحة ببنادق هجومية والمدعومة بمركبات مدرعة مزودة بمدافع رشاشة المباني والامتيازات المستهدفة.
وأكد مسؤولان من المليشيات المدعومة من إيران في العراق -لوكالة أسوشيتد برس- أن المهاجمين كانوا من أنصارهم، وأن هدفهم هو الترويج لمقاطعة العلامات التجارية الأميركية وردع وجودهم في البلاد.
وقال المسؤولان، اللذان تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما بما يتماشى مع لوائح مجموعاتهم، إنها أيضًا “محاولة لتعزيز صورة المليشيات”.
من جهته، حث المتحدث باسم كتائب حزب الله شبه العسكرية المدعومة من إيران أبو علي العسكري أنصاره -الاثنين الماضي- على التخلص من “المنتسبين للتجسس الإسرائيليين الذين يرتدون ملابس مدنية”– في إشارة إلى الشركات والمنظمات التي يُنظر إليها على أنها مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال عيسى أحمد، الذي نظم أكثر من 30 احتجاجا لدعم غزة، خلال مظاهرة أخيرة في بغداد، إنه وغيره من الناشطين الشباب يريدون من العراقيين مقاطعة المنتجات “التي تدعم إسرائيل”.
أما رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهو -كما تصفه أسوشيتد برس- منافس للفصائل المدعومة من إيران، وعلى الرغم من تقاعده من السياسة، فإنه لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين عديد من الشيعة العراقيين، فقد دعا إلى قيام العراق بطرد السفير الأميركي.
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمري أن استهداف العلامات التجارية الأميركية والغربية يلعب دورًا في التنافس المستمر منذ عقود بين طهران وواشنطن.
وأضاف أن “هذه الهجمات لها أهداف سياسية”. إنهم يبعثون برسالة مفادها أن أي استثمار أو وجود للشركات الغربية في العراق لا يمكن أن يستمر.
يقول ريناد منصور، وهو زميل أبحاث كبير في تشاتام هاوس في لندن، إن العراق كان بمثابة “ساحة نفوذ” لكل من واشنطن وطهران، مما ترك حكومتي بغداد مع القليل من السيادة والوكالة.
ووفقا لأسوشيتد برس، فقد حاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي وصل إلى السلطة بدعم من تحالف موالي لإيران، تهدئة مناهضته للولايات المتحدة دون إثارة التوترات مع واشنطن أو تعريض الاستثمارات الأجنبية في العراق للخطر.
وبدأ العراق والولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة محادثات رسمية لسحب نحو ألفي جندي أميركي متمركزين في العراق بموجب اتفاق مع بغداد، وذلك بشكل أساسي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال منصور -لوكالة أسوشيتد برس- إن رئيس وزراء العراق روّج لفكرة أن العراق قد خرج من الحرب ويركز على إعادة إطلاق العلاقة مع الولايات المتحدة والنظر في العلاقة مع إيران والضغط من أجل سيادة العراق، وبالطبع الحرب على غزة أثرت على هذا الأمر.
وقالت وزارة الداخلية العراقية إنها ألقت القبض على بعض المشتبه بهم في “أعمال الشغب” وتبحث عن آخرين.
لكن شخصيتين من المليشيات زعمتا أن الحكومة لا تجرؤ على ملاحقة “مثيري الشغب” على الرغم من علمها بهويتهم، خوفًا من التصعيد. وحذروا من مزيد من الهجمات على المصالح الأميركية في حال توقف انسحاب القوات الأميركية من العراق بشكل أكبر.
ودانت السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوفسكي -في منشور على منصة إكس- استهداف الامتيازات الأميركية والدولية، قائلة إن ذلك قد يؤثر على الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد العراقي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن الهجمات على “ما هي في الأساس امتيازات لشركات أميركية تضر بالعمال العراقيين والرؤساء العراقيين، وأحيانا برأس المال العراقي الذي يتم توظيفه هناك”.
وقال ميلر: “لذلك تتم مهاجمتهم في نهاية المطاف ضد الشعب العراقي”. نعتقد أنه يتعين على الحكومة العراقية اتخاذ الإجراءات المناسبة للرد على تلك الهجمات ومحاسبة الأشخاص.
أما المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية تحسين الخفاجي، فقال لوكالة أسوشيتد برس إنه ستتم ملاحقة من وصفهم بمثيري الشغب، وكذلك أي شخص يهدد أمن البلاد ورفاهها الاقتصادي.
وقال الخفاجي: “نبذل جهودا كبيرة لحماية الاستثمارات والتقدم الذي حققته الحكومة الحالية، ومن الضروري حماية هذه الإنجازات وخلق بيئة آمنة للمستثمرين”.
ومع ذلك، حذر أبو علي العسكري المسؤولين الأمنيين من الوقوف في طريق الجهود الرامية إلى “القضاء” على المصالح الأميركية في العراق.