منذ صغره، كان روبرت أوبنهايمر (1904-1969) عبقريا، لكنه خجول يميل إلى العزلة، لم تكن دراسة الفيزياء ضمن أولوياته العلمية في بداية شبابه. جال بين اختصاصات عدة، بينها الأدب الإنجليزي والفرنسي والكيمياء والفلسفة اليونانية والهندوسية، ليستقر لاحقا في دراسة الفيزياء النووية التي قادته ليصبح “المكافئ الموضوعي للموت.. مدمر العوالم”، حسب تعبيره.
أوبنهايمر
تحضر هذه المقولة كثيمة أساسية في فيلم “أوبنهايمر” (Oppenheimer) للمخرج البريطاني كريستوفر نولان، الذي يعرض لقصة حياة أب القنبلة النووية ومدير مشروع مانهاتن النووي الأميركي (البريطاني الكندي الفرنسي) روبرت أوبنهايمر، ويجسّد العمل -الذي بدأ عرضه عالميا الخميس- الضعف الإنساني والعوالم والأحاسيس المضطربة التي عاشها الرجل الذي أطلق مارد الطاقة الذرية.
واقتبس صاحب رائعتي “دونكيرك” و”تينت” الفيلم من كتاب “بروميثيوس الأميركي” للمؤلفين كاي بيرد ومارتن ج. شيروين المتوج بجائزة “بوليتزر” عن سيرة روبرت أوبنهايمر، وهو من بطولة كيليان مورفي (في دور أوبنهايمر) وروبرت داوني جونيور (الأدميرال لويس شتراوس) ومات ديمون (الجنرال ليزلي غروفز) وإيميلي بلانت ورامي مالك وفلورنس بيو، وغيرهم.
منذ عام 1942، أشرف أوبنهايمر -الرجل الذي لا يستطيع إدارة محل همبرغر على حد قول الجنرال ليزلي غروفز- بكفاءة على مختبر لوس آلاموس الشديد السرية في صحراء نيو مكسيكو، ونفّذ تجربة ترينيتي “trinity” (الثالوث)، أول تفجير نووي في التاريخ يوم 16 يوليو/تموز 1945، ثم إلقاء بلاده قنبلتي “الولد الصغير” و”الرجل البدين” الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين يومي السادس والتاسع من أغسطس/آب 1945.
بينما كانت سحابة الفطر الهائلة ترتفع، لم يصدق أوبنهايمر وهو على بعد كيلومترات من نقطة التفجير، قوة التدمير الهائلة التي ولدتها “ترينيتي”، يذكر لاحقا كيف انتابته أول وخزة ضمير، وبدأ يردد بعض العبارات من نص “بهاغافادا غيتا” الهندوسي -وهو المطلع على الفلسفة الهندوسية ويجيد اللغة السينسكريتية-: “الآن أصبحت الموت، أصبحت محطم العوالم”.