مع غروب شمس أمس الثلاثاء الموافق للعشرين من شهر رمضان المبارك لهذا العام 1444، بدأت الليلة الأولى من ليالي االعشر الأواخر من رمضان ، والتي “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخلت شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله” متفق عليه. وشد المئزر كناية عن مضاعفة الجد والاجتهاد في العبادة، واعتزال النساء، وإيقاظ الأهل يعني أن يشرك الرجل زوجه وأولاده في عبادة العشر الأواخر من رمضان، وإحياء الليل يعني إحياء غالبه وتقليل ساعات النوم فيه مقارنة بالعشرين الأول من رمضان، فالعشر الأواخر شفاء لأرواحنا، وتطهير لقلوبنا، ورحمة من ربنا، ومن لم تتزكَ نفسه ويحيا قلبه ويذرف دمعه في تلك العشر فمتى يخشع ويدمع؟!
العشر الأواخر من رمضان
سر الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان
اجتهاد النبي (صلى الله عليه وسلم) واعتكافه في العشر الأواخر من رمضان يرجع لسببين: أولاهما وجود ليلة القدر فيها، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان” (رواه البخاري). والمتأمل في الأحاديث الواردة في فضل شهر رمضان يدرك أن ليلة القدر تعدل صيام رمضان وقيامه، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): “من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري)، وقال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري). والسبب الثاني أنها ختام الشهر، والأعمال بالخواتيم كما في الحديث، وكما قال ابن تيمية: العبرة بكمال النهايات لا بنقصان البدايات، فمن قصر أو فرط أو كسل أو غفل في العشرين الأول من رمضان أمامه الفرصة للاستدراك والفوز والتنافس والمسارعة إلى الخيرات في عشر الرحمات.
أهم الأعمال في العشر الأواخر من رمضان
العشر الأواخر من رمضان أوقات فاضلة ونفحات ربانية مباركة، والواجب على المسلم استثمارها واغتنام كل لحظة ونفس فيها بالطاعات والقربات، فقد بلغ من اغتنام الصحابة والسلف لها أنهم كانوا يفطرون على لقيمات ويؤخرون الفطور الكامل للسحور حتى لا يضيع الوقت في الطعام، فعن زر بن حبيش (رضي الله عنه) قال: “في ليلة سبع وعشرين من استطاع منكم أن يؤخر فطره فليفعل وليفطر على ضياح لبن”. ومن أهم أعمال العشر الأواخر من رمضان ما يلي:
ترك الخصومة والتلاحي
إن أول وأهم عمل في العشر الأواخر من رمضان هو ترك الخصومة والتباغض والتشاحن وتصفية القلوب من الغل والحقد والحسد تجاه المسلمين، فقد كانت الخصومة والملاحاة سببا في رفع تعيين ليلة القدر، وقد تكون سببا من الحرمان من العفو والمغفرة فيها، ومن أراد العفو من الله فليبادر في العشر الأواخر بالعفو عن الناس. عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم” (رواه البخاري).