Site icon Sawt Asharq

إرتفاع قيمة الليرة اللبنانية.. ما الأسباب؟

%D9%84%D9%86%D9%86%D9%84%D9%86%D9%84%D9%86%D9%84%D9%86

أحدث انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة صدمة في لبنان، وفي أقل من أسبوعين، كبحا الليرة من انهيار مدوٍ، فتراجع سعر صرف الدولار تدريجيا من 33 ألفا إلى ما دون 23 ألفا، كاسرا توقعات استمرار انهيار الليرة دون سقوف.

ويجد محللون أن التحسن بأكثر من 10 آلاف ليرة اصطناعي وسياسي قبيل إقرار الحكومة موازنة 2022، وأنه غير دائم، ويرى آخرون أن مصرف لبنان المركزي أثبت قدرته على التحكم في السوق النقدي، مفعلا دور منصته “صيرفة”، إذ سجل تداولها للدولار لأول مرة أرقامًا أعلى بليرات من تداوله بالسوق السوداء.

ومع ذلك، لم يُلغِ هذا “التحسن” حقائق موجعة لدى اللبنانيين، ومنها: أسعار السلع الأساسية من غذاء ومحروقات ودواء ارتفعت منذ خرف 2019 نحو 1400%، ومعدلات التضخم تجاوزت 700%، والناتج المحلي تقلص لأكثر من نصف قيمته، والليرة خسرت أكثر من 90% من قيمتها نتيجة غياب التداول بسعرها الرسمي (1507 ليرات)، والحد الأدنى للأجور يوازي 29 دولارا ومعدله العام نحو 66 دولارا، وأزمة الكهرباء مستفحلة ومرافق الدولة تشهد انحلالا تاريخيا.

المركزي يتدخل

ويرتبط انخفاض سعر صرف الدولار بإعلان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، منتصف الشهر الجاري، اتفاقه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل على السماح للمصارف التجارية بشراء الدولارات منه دون سقف بالسعر الذي تحدده منصته “صيرفة”.

وعليه، وسع سلامة صلاحيات المصارف في تعميم 161، الذي أصدره منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، وسمح للمصارف بدفع السحوبات النقدية لعملائها، ضمن الحدود المعتمدة، بالدولار النقدي وفق سعر “صيرفة”.

وساد منطق المضاربات السوق النقدي طوال الأزمة، لكن قيمة الليرة تحسنت أخيرا، برأي مراقبين، نتيجة امتصاص المركزي الكتلة النقدية بالليرة، وتزايد الطلب عليها وتراجعه عن الدولار.

فكيف يقرأ خبراء إجراءات المركزي؟

يعتبر رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في بنك “بيبلوس” اللبناني نسيب غبريل أن إجراء المركزي يهدف لضبط سعر الصرف، وأن سماحه للمصارف بشراء الدولارات دون سقوف وبيعها لزبائنها، أفرادا ومؤسسسات، أدى لضخ الدولارات، وترافق مع عودة ثنائي حزب الله وحركة أمل للحكومة كعامل إيجابي لمناقشة الموازنة. وقال للجزيرة نت إن الهدف من ضخ السيولة هو تخفيض سعر الصرف بالسوق الموازي لإلغاء الهامش مع منصة صيرفة، وللتشجيع على شراء الدولارات من المصارف.

من جانبها، تشير الأكاديمية والباحثة في القوانين المصرفية سابين الكيك إلى أن المصارف المركزية تلجأ عادة لمثل هذه الإجراءات في ظروف استثنائية ومفصلية، ليكون لها أثر صادم في السوق النقدي.

وتجد أن خطوة مصرف لبنان ليست إصلاحية، بل هي تدخل تقني بمفاعيل اصطناعية، ولا تندرج ضمن التقنيات الطبيعية المعتادة للمصارف المركزية، مما يعزز الشكوك -برأيها- حول توقيتها.

وتتساءل عن سبب عدم تدخله بالسوق بهذه الطريقة منذ بدء انهيار الليرة، وحين كانت كلفتها أقل والكتلة النقدية لليرات لم تبلغ هذا الحجم المتضخم.

وقالت للجزيرة نت إن التحسن السريع في سعر الليرة لم ينتج عن أسس اقتصادية مكنت وضعيتها بالتوقيت والمفعول والأسلوب.

ويتوافق معها الباحث والصحافي الاقتصادي منير يونس، مضيفا للجزيرة نت أن إجراء المركزي يضمر أهدافا منها:

ويعاني لبنان شحا كبيرا في الدولار نتيجة عوامل منها:

 من أين يأتي المركزي بالدولارات؟

يفيد منير يونس بأن المركزي ضخ حتى الآن (عبر تعميم 161) نحو 150 مليون دولار، ويرجح أن تكون عبر 3 مصادر: الصرافين، وشركات تحويل الأموال، وجزء من الاحتياطي الإلزامي.

وقال إن من يستفيد من ضخ الدولارات هم المصارف لأن لديها نسبة أرباح، وكبار التجار حاملو المليارات بالليرة، والمضاربون نظرا لعدم وجود معلومات كافية حول حجم السوق النقدي.

ويضيف نسيب غبريل مصادر أخرى للدولار لدى المركزي:

ويندد يونس ببعثرة المركزي للاحتياطي الإلزامي “لأنها من حق المودعين الذين احتجزت المصارف أموالهم”. ويرفض غبريل المقاربة، مذكرا بأن المركزي صرف نحو 9 مليارات دولار على دعم السلع الأساسية، لكنها ذهبت للتجار والمهربين.

وقال غبريل إن إجراءات المركزي منذ اندلاع الأزمة ملأت بعض فراغ السلطة التنفيذية والسياسية، ويجب ملاقاتها بإصلاحات بنيوية بدل تحميله مسؤولية الانهيار.

وترفض سابين الكيك التكهن بمصادر دولارات المركزي، وتصفه بـ”الصندوق الأسود”، لأنه لا أحد برأيها يعلم حقيقة ما لديه، وبالتالي “كل أرقامه وعملياته موضع شك لدى المؤسسات الدولية والعارفين بالسياسات النقدية بسبب غياب شفافية عملياته”.

الدولار والموازنة

ويترقب لبنان جلسة الحكومة المقبلة (غدا الاثنين) لبحث مشروع الموازنة العامة للعام 2022، وتحظى بأهمية بالغة تمهيدا للمفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي، ولجهة سعر الصرف الذي ستعتمده الحكومة للكهرباء والاتصالات والدولار الجمركي وغيرها من النفقات التشغيلية.

لذا، يجد منير يونس تدخل المركزي لخفض سعر صرف الدولار يسهل الاتفاق على سعر صرف بالموازنة وإلغاء الفجوة مع السوق السوداء، ويتوقع اعتماد الحكومة عدة أسعار صرف للموازنة تحت سقف سعر “صيرفة”.

ويعتبر أن المركزي يشتري الوقت مع السياسيين نظرا لأهمية سعر “صيرفة” على عدة مستويات: دورلة الودائع الدولارية (دفعها بالليرة بدل الدولار)، وتوزيع الخسائر، ومفاوضات صندوق النقد، وانتخابات مايو/أيار المقبل.

وتشك سابين الكيك في نجاح الحكومة في إقناع صندوق النقد بالموازنة، لأنه -وفق رأيها- يريد موازنة تتضمن إصلاحات جذرية، بدءا بتوحيد سعر الصرف وتحريره، مرورا بالأمن الاجتماعي وربطها بخطة اقتصادية ولو بمدى متوسط نحو 3 سنوات.

وذكرت أن الحكومة والمركزي والمصارف قد تتهرب من تحرير سعر الصرف، لأن موجوداتها تقيّم وفقه، ولا يريدون كشف خسائرهم ورأس المال المتآكل.

هل تدوم قدرة المركزي على خفض سعر صرف الدولار؟

يقول نسيب غبريل إن إجراء المركزي مؤقت وموضعي ولا يدعي الحل، وينتهي آخر الشهر، وربما يمدده، في حين يكمن الحل في إلغاء سبب وجود سوق مواز، ووضع خطة التعافي والتفاوض رسميا مع صندوق النقد، حتى تعود عجلة الاقتصاد ويتسنى للمركزي تكوين احتياطاته.

ويجد منير يونس أن قياس إيجابية وديمومة إجراء المركزي هو بانعكاسه على المستهلك اللبناني الذي يعاني من دولرة قيمة مختلف السلع، ويريد الحصول على سلة غذائية ودوائية أرخص، في حين أن الفوضى تتحكم بالسوق، والغلاء مستفحل إزاء ضعف الجهات الرقابية.

وقال إن المركزي ليس لديه خيارات كثيرة، ويعمل بالترقيع لتخفيف سرعة الارتطام الكبير، “لأن من أوصل البلاد لهذا الدرك لن يصنع الحلول”.

وتتوقع سابين الكيك أن يسجل سعر صرف الدولار قفزة كبيرة فور توقف المركزي عن ضخ الدولارات، لأن “مفاعيل تدخلاته قصيرة المدى، وقد تُلاقى لاحقا صدماته الإيجابية لسعر الصرف بصدمات مضادة سلبية لغياب خطة متكاملة الأركان سياسيا ونقديا واقتصاديا واجتماعيا”.

Exit mobile version