مخاوف من اصطدام كويكب مدمر مع الأرض
– أكثر من مليار طن من مادة “تي أن تي” وطاقة متفجرة تبلغ مليوني ضعف الطاقة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت. هذا ما قد يحدث إذا اصطدم كويكب هو محط اهتمام وكالة “ناسا” بالأرض، وهو احتمال أكدته دراسات علمية وبعثة لوكالة الفضاء الأميركية.
وكويكب “بينو” حطت على سطحه، العام الماضي، مركبة الفضاء “أوزيريس ريكس” التابعة لـ”ناسا” وأخذت عينات منه، وقام فريق علماء تابع للوكالة بدراسة بعض البيانات التي حصلت عليها المركبة لمعرفة “التهديد” الذي يمثله هذا الكويكب على كوكب الأرض خلال القرون القادمة.
والكويكبات هي أجرام صخرية يتراوح قطرها بين بضعة أمتار وعدة كيلومترات، أما الأجرام الأكبر فتسمى الكواكب القزمة، والأكبر منها هي الكواكب.
ويصنف “بينو” على أنه “كويكب يحتمل أن يكون خطرا”، وما يعنيه ذلك أن عرض الكويكب في تلك الحالة يزيد عن 140 مترا، ويمكن نظريا أن يقترب من مسافة 4.65 مليون ميل من الأرض. ويحتل “بينو” المرتبة الثانية في سجل “ناسا” الذي يضم 72 من الجسيمات القريبة من الأرض والتي قد تصطدم بها.
ويبعد الكويكب، داكن اللون والذي يشبه شجرة بلوط عملاقة، نحو 334 مليون كيلومتر عن الأرض، ويبلغ عرضه 500 متر. سطحه وعر يضم صخورا كبيرة وخطيرة.
ويقول العلماء إنه على غرار الكويكبات الأخرى، فقد تشكل في المراحل الأولى لنظامنا الشمسي، وقد يحمل أدلة على أصول الحياة على الأرض.
ويبعد عن الشمس المسافة ذاتها لبعد الأرض تقريبا عنها، ويعتقد أنه غني بجزيئات عضوية دقيقة يمثل الكربون عنصرا رئيسيا فيها وترجع لأوائل أيام المجموعة الشمسية. وقد تحتوي المعادن الموجودة في هذا الكويكب على الماء وهو عنصر مهم آخر في تطور الحياة.
يعتقد العلماء أن كويكبات ومذنبات اصطدمت بالأرض في مراحل مبكرة زودتها بالمركبات العضوية والمياه اللازمة للحياة على الكوكب، وقد يقدم تحليل ذري للعينات المأخوذة من الكويكب “بينو” أدلة مهمة لإثبات هذه الافتراض.
مجلة “ناشونال جيوغرافيك” نشرت تقريرا حول مدى تأثر هذه الكتلة الصخرية على كوكب الأرض، على ضوء الدراسات الأخيرة التي أجريت حوله، والتي تشير إلى أن الكويكب لديه فرصة أكبر مما كان يُعتقد في التأثير على كوكبنا في وقت ما خلال الـ300 عام القادمة، وربما يبدأ هذا التأثير مع نهاية هذا القرن.
وركز التقرير على دراسة جديدة نُشرت في مجلة “Icarus” اعتمدت على بيانات مسبار “أوزيريس ريكس” وأجرى الفريق حسابات “دقيقة” لمدار “بينو” وبيان مدى احتمالات قربه من الأرض في المستقبل.
ثم قام الباحثون، بقيادة ديفيد فارنوكيا، من مختبر الدفع النفاث التابع لـ”ناسا”، بتحليل خطر الاصطدام من الآن وحتى عام 2300، ووجدوا أنه في عام 2135، سيصل “بينو” إلى مسافة حوالي 123 ألف ميل من سطح الأرض، وأن احتمالية حدوث تصادم مستقبلي على مدى القرون الثلاثة القادمة هي 1 إلى 1750، وهو احتمال أكبر قليلا من التقديرات السابقة.
عالم الكواكب بجامعة أريزونا، دانتي لوريتا، والباحث الرئيسي في “أوزيريس ريكس” وكبير مؤلفي الدراسة قال إن “بينو” هو أفضل الكويكبات في النظام الشمسي إلى حد بعيد… نحن نعلم أين سيكون بعد أكثر من 100 عام في المستقبل”.
آمي ماينزر، عالمة الكواكب بجامعة أريزونا، والخبيرة في الكويكبات القريبة من الأرض والتي لم تشارك في الدراسة، قالت إن الفريق أجرى “قياسا دقيقا جدا”.
ورصد الفريق قوة تأثير للشمس على حركة الكويكب تسمى “ياركوفسكي”، والتي تشير إلى الحرارة المنبعثة من الشمس إلى مسار الكوكب ما قد ينطوي على تهديد متزايد لتحركه في النظام الشمسي، ويحدث هذا التأثير عندما يقوم ضوء الشمس بتسخين سطح “بينو”، بينما يعيد سطح الكويكب إطلاق هذه الطاق أثناء عملية التبريد، وهو بمثابة دفع للكويكب في مساره.
ورغم هذه السيناريوهات المرعبة، فإن “ناشونال جيوغرافيك” قالت إن المخاطر من “بينو” لا يجب أن تؤرق نومنا، فاحتمالات ألا يضرب كوكب الأرض خلال القرون الثلاثة القادمة هي 99.9 في المئة، ولن يتسبب أي اصطدام بالأرض في انقراض جماعي مثل تأثير “تشيككسولوب” الذي أدى لانقراض الديناصورات قبل 66 مليون سنة، وهذا الكويكب كان عرضه ستة أميال بينما يبلغ عرض “بينو” أقل من من نصف ميل.
ومع ذلك، فإن الاصطدام مع “بينو” سيكون مدمرا، مع تكهنات بأن يصدر طاقة تزيد عن 1.1 مليار طن من مادة “تي أن تي”، أي ما يقرب من مليوني ضعف طاقة انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس 2020.
وتقول “ناشونال جيوغرافيك” إن البعثات الفضائية المستقبلية قد تساعد في إعادة تقييم احتمالات الخطوة، مثل مهمة مراقبة الأجسام القريبة من الأرض (NEO) التي ستطلقها “ناسا” في 2026 بهدف جمع معلومات عن الكويكبات.
وأمام البشرية أيضا أكثر من قرن لمواصلة مراقبة مخاطر “بينو” على الأرض، وربما تعديل مساره إذا لزم الأمر، علما بأن وكالات الفضاء تقوم بالفعل باختبار إجراءات وتقنيات معينة يمكن أن تساعد في “تحييد” هذا الكويكب إذا كانت هناك ضرورة.
ويشير التقرير إلى مركبة “دارت” التابعة للوكالة الأميركية التي سوف تصطدم، العام المقبل، بقمر صغير يدور حول كويكب قريب من الأرض بهدف تغيير مدار هذا القمر.