تبدو فرنسا اليوم أكثر تمزقا منها في أي وقت مضى بسبب الانقسامات في الهوية، حيث غدا الجدل حول الإسلاموفوبيا مريرا للغاية وأقل أكاديمية وأكثر تسييسا، حتى إن كتابا أصدرته الأستاذة فلورنس بيرجو بلاكلر، حول تأثير الإخوان المسلمين في أوروبا، أصبح مثارا لسلسلة من النقد والشتائم والمنع والتهديد بالقتل لهذه الأستاذة، كما ترى الباحثة جوسلين سيزاري، في تحليل تسلط فيه الضوء على الحرب الثقافية بالطريقة الفرنسية بناءً على تجربتها في الولايات المتحدة.
الإسلاموفوبيا
ويوضح موقع أوريان 21 (Orient XXI) الفرنسي -في مقال سيزاري الذي ترجمه الكاتب آلان غريش- أن التحقيق الذي نشرته بلاكلر تحت عنوان “الإخوانية وشبكاتها” عام 2023، كان يمكن أن يبقى بحثا في قائمة طويلة من الأعمال التي تتناول تأثير الإخوان المسلمين في أوروبا، لولا ما أثاره من لغط في فرنسا، عندما شجب السياسيون والعلماء من جميع المعتقدات ما اعتبروه “أمركة” من قبل بلاكلر، للنقاش السياسي تركز كثيرا على الاختلافات العرقية والدينية والجنسانية، مما يقوض الطبيعة التوحيدية للهوية الفرنسية العالمية، حيث قبضة سياسة الهوية على المشهد السياسي الفرنسي قوية، ولكنها بعيدة كل البعد عن الأمركة.
الحرية الدينية ضد التحررية
ففي الولايات المتحدة -كما تقول سيزاري- أثارت الثورة الثقافية الجنسية السياسية، في الستينيات، مقاومة العديد من الجماعات المسيحية المحافظة، خاصة داخل الطبقة الوسطى البيضاء، حيث تحول الموضوع إلى حرب ثقافية أواخر التسعينيات، بين فريقين، محافظ يحذر من الإفراط في الخضوع للسوق، ويدعو إلى ضبط النفس في مسائل الجنس والمخدرات والخمر والعمل، في حين يمجد الفريق الآخر القوة النيوليبرالية المحررة للعلاقات العابرة للوطنية وطبيعتها القائمة على المساواة والتعددية التي لا تنافي حسا أخلاقيا أكثر “تحررا”.
غير أن النقاش بين هذين الفريقين يركز على قضايا رئيسية مثل الإجهاض والزواج المثلي ومنع الحمل، فيؤكد المؤمنون بالديانات حقهم في عدم انتهاك إرادة الله، ويدافع الآخرون عن حقهم في التحكم بحياتهم الجنسية وأجسادهم ورعايتهم الصحية، وهو ما لا يمكن -حسب المقال- أن يحدث في فرنسا، لأن الممارسة الحرة للدين تعترضها قدرة الدولة على التمييز ضد الدين باسم المساواة، مثل حظر ارتداء الحجاب في المدرسة.